تصاعد القوى المتطرفة المشككة فى جدوى الوحدة الأوروبية
من أهم تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى الكشف عن الانقسام الكبير بين فريقى البقاء والانسحاب من التكتل الموحد بيد أن هذ الانقسام لا يقتصر على البلدان نفسها بل يمتد إلى عمق المجتمعات الأوروبية وداخل الحزب الواحد وأبناء الايديلوجيات الواحدة يميناً ويساراً وهو ما يهدد بمزيد من الانقسامات والتصدعات وظهور مجموعات جديدة فى المستقبل الأوروبى القريب.
ويمكن تحديد شكل الانقسامات من حيث دوائر النقاش إلى وحدويين يدعون لمزيد من الاندماج وبراجماتيين توجههم خطوات محددة نحو هدف مشترك والتوسعيين، حيث يرون ضرورة زيادة مرونة خطط الدعم والتعاون فى الاتحاد لمواجهة التحديات والمتشككين الذين ينظرون إلى التكتل نظرة شك فى جدواه والشعبويين الذين يمثلون وجهة نظر الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة التى تتصاعد قوتها فى أوروبا فى العقد الأخير وتطالب بالخروج من السوق الأوروبية الموحدة.
أولاً: الوحدويون
اعتبر وزير المالية الألمانى فولفجانج شويبله، أن أهم شىء لإنقاذ مستقبل الوحدة الأوروبية التركيز على أقوى قضية وهى مزيد من السيطرة المركزية على الميزانيات الوطنية فى إشارة إلى مشروع الوحدة المالية الذى عارضته بريطانيا بشدة لضمان الانضباط المالى الصارم وتحقيق الاستقرار فى مطقة العملة الموحدة اليورو.
وكررت شخصيات مثل رئيس الوزراء السابق لبلجيكا، دعوة جيى فيرهوفشتات لإعادة بناء اتحاد أوروبى بنظام فيدرالى قوى ليحل محل الضعيف كالذى هو عليه الآن.
وتعتبر قاعدة الإجماع فى جميع القرارات تعنى بالنسبة له المضى قدماً معاً، ولكن بوتيرة أبطأ دولة عضو وهو ما يجذب الدول الأعضاء من مرحلة الجمود إلى مرحلة الطريق المسدود.
وقال فيرهوفشتات، إنه يريد أوروبا بقوة دفاع موحدة وسياسة خارجية مشتركة وحكومة أوروبية صغيرة، لكنها قوية وخزينة أوروبية ناضجة تماماً لها مواردها الخاصة بدلاً من الموازنة الأوروبية الحالية المكونة من 1% من الناتج المحلى الإجمالى تمولها تبرعات وطنية، وتؤيد ألمانيا فكرة إنشاء جيش أوروبى مشترك.
ثانياً: البراجماتيون
استبعدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التحول من خلال تغيير المعاهدة، قائلة بدلاً من أن الاتحاد الأوروبى يحتاج إلى تبسيط القواعد، وخفض الروتين وخلق فرص العمل، مشيرة الى أن الهدف يجب أن يكون إقناع المواطنين لماذا نفعل أشياء معينة؟
وأضافت ميركل، أن القضية ليست حول تنظيم أكثر أو أقل، لكن التركيز على إيجاد مجموعة أهداف أكثر تحديداً.
وتحظى وجهة نظر ميركل بدعم رئيس الوزراء الهولندى مارك روت، الذى قال إنه بدلاً تعديل اتفاقية تأسيس الاتحاد فإنه يجب العمل على تفعيل مفهوم الدولة القومية حيثما كان ذلك ممكناً مؤكداً أن هذا ليس الوقت المناسب للجوء إلى الفكر المتطرف أو التورط فى مناقشات فكرية أيدولوجية حول دور الدول العظمى مقابل الدول الأعضاء، وقال إنه يجب أن يكون التركيز منصباً على التعاون بطريقة عملية من شأنها أن تؤدى إلى خلق أوروبا أقوى وأفضل.
ويرى زعيم الحزب الاشتراكى الديمقراطى الألمانى زيجمار جابريل، أنه يجب العمل على تقليص مخصصات تمويل القطاع الزراعى والتركيز بدلاً من ذلك على تطوير عمل المفوضية الأوروبية حيث يتنافس 27 مفوض ممثلين لبلادهم لإثبات أنفسهم على حساب الآخرين بلا جدوى.
ثالثاً: التوسعيون
تدعو شخصيات بارزة من ايطاليا واسبانيا والاشتراكيين فى فرنسا وكذلك اليونان والبرتغال، الى تحرير قواعد الاقتراض من الاتحاد الأوروبى وإضفاء قدر أكبر من المرونة على خطط دعم بنوكها.
ويرى رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى أن المزيد من النمو والمزيد من الاستثمارات والحد من سياسات التقشف والبيروقراطية هو الأسلوب الأفضل لإدارة دفة الاتحاد خلال العامين المقبلين، ويحذر فرق التوسع فى خطط الدعم من أن انعدام النمو الاقتصادى هو الذى سيقتل أوروبا الموحدة.
واشارت صحيفة الجارديان فى تحليلها الى أن وزير الاقتصاد الفرنسى إيمانويل ماكرون لديه خطة توسعية أكثر تطوراً لإيجاد طريق جديدة لإدارة منطقة اليورو.
رابعاً: المتشككون
تعتبر بلدان فيسيجراد أكبر تكتل فى شرق اوروبا وهى اختصاراً للدول الشيوعية السابقة المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك من المتشككين فى جدوى الاتحاد الأوروبى.
وقال رئيس الوزراء المجرى فيكتور اوربان فى تصريح له، “علينا العودة إلى النظرية القائلة، إن الدول الأعضاء هى من تشكل الاتحاد الأوروبى وليس مؤسسات إدارة الاتحاد فى بروكسل مشدداً على انه لا طريق لتعزيز ملامح الديمقراطية إلا من خلال الدول الاعضاء نفسها وليس المفوضية الأوروبية.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبى ليس فى بروكسل، ولكن فى 27 عاصمة موضحاً أن المحاولات السابقة لخلق الشرعية الديمقراطية لمؤسسات الاتحاد الأوروبى باءت بالفشل، ودعى البرلمان الأوروبى ليشمل السياسيين المنتخبين محلياً.
خامساً: الشعبويون
وتشمل هذه المجموعة العديد من الأحزاب الشعبوية المتشككة تجاه جدوى الاتحاد الأوروبى، بما فى ذلك الحزب اليمينى المتطرف الجبهة الوطنية فى فرنسا وفى ألمانيا حزب البديل من أجل ألمانيا وكذلك الشخصيات المرتبطة بحركة 5 نجوم فى إيطاليا وتعمل بدرجات متفاوتة جميعها لصالح الخروج تماماً من الاتحاد الأوروبى.