بقلم: ستيفانى فلاندر
يقول أحد زملائى الذى قضى عمره فى الاستثمار، إن الأسواق المالية تشبه الأطفال الصغيرة، فهم يجدون صعوبة فى التركيز على أكثر من شىء فى الوقت نفسه.
وبغض النظر عن إن كان الأطفال قادرين على التركيز على أى شىء على الإطلاق، فهو محق فى نقطة ما فيما يتعلق بالأسواق العالمية، فقد كان المستثمرين يركزون على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتداعياته لدرجة أنهم فقدوا الصورة الأكبر، وهى أن الاقتصاد العالمى لايزال بصورة مقلقة يعتمد على النمو الأمريكي، والمجهودات الاستثنائية للبنوك المركزية.
وكانت هناك مخاوف فى الأيام التالية لاستفتاء الاتحاد الأوروبى بأن مشكلات بريطانيا سوف تؤثر سلباً على التعافى العالمي، ولكن أعلن المستثمرون بعد ذلك أن هذه الصدمة فى صالح الأسهم والسندات، خاصة أن النمو لن يتأثر كثيراً خارج المملكة المتحدة، فى حين أن البنوك المركزية سوف تحافظ على السياسة النقدية الميسرة بدلاً من الاتجاه نحو التضييق لتبقى فى مأمن.
وهذا يفسر لماذا تواصل أسواق الأسهم الارتفاع لمستويات جديدة حتى فى بريطانيا، كما أصبحت أسعار الفائدة طويلة الأجل فى معظم الدول أقل مما كانت عليه قبل 23 يونيو.
وفى نفس هذا الوقت من العام الماضي، كان الهوس يتعلق بالصين، وكانت المعنويات مختلفة، وهبطت أسواق الأسهم حول العالم عندما أعلنت بكين عن تخفيض مفاجئ فى قيمة الرنيمبى أمام الدولار، وتمثلت المخاوف فى أن ينقل الاقتصاد الصينى المنكمش إلى بقية اسواق العالم من خلال أسعار الصرف الأقل، وبالتالى يتأثر النمو سلباً فى الأسواق الناشئة.
ومن المثير للسخرية، أن العملة الصينية تراجعت مجدداً مؤخراً بنسبة 3% أمام الدولار فى الثلاثة أشهر الماضية، وهى نسبة هبوط أعلى من الصيف الماضى، ولكن يبدو أن لا أحد يأبه، وربما سيكون من الأفضل أن نعتقد أن السبب فى ذلك هو أن العالم فى وضع أقوى حاليا عن العام الماضى ويسمح بمواكب الصين المنكمشة، ولكن أخشى أن يكون السبب ببساطة أن المستثمرين لم يكونوا منتبهين.
وفى الحقيقة يبدو أن هذا انخفاض فى قيمة «الرنيمبي» هذه المرة متحكماً فيه أكثر، وما أثار حفيظة المستثمرين بشأن الصين الصيف الماضى هو الشعور بالفوضى، والرسائل المختلطة بشأن عملتها والتحركات المحمومة لدعم سوق الأسهم المحلى.
وعلى السطح يبدو اقتصاد الصين أقل تهديداً، مما كان عليه فى 2015، إلا ان السلطات تتبع نفس الأدوات لدعم النمو التى استخدتها فى السابق وهى الاستثمار العام والقروض المدعومة، ونمى الاستثمار فى الأصول الثابتة من قبل الشركات الحكومية بنسبة 20% فى الثلاثة أشهر الماضية، مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
وبشكل عام، قد تكون الصين أكثر استقرار حاليا، ولكنها ليست أقرب لمعالجة اختلالاتها الهيكلية والمالية مما كانت عليه العام الماضي، ولازالت تصدر الانكماش إلى بقية العالم من خلال سعر الصرف الأضعف، وتراجعت أسعار الواردات الأمريكية من الصين 3% فى يونيو الماضى، وهو ما يعد أكبر هبوط منذ 2013.
وتستطيع الولايات المتحدة على الأرجح الوقف فى وجه هذا الانكماش المصدّر لأن الأسعار المحلية، وكذلك الأجور، ترتفع مع استمرار الانتعاش القائم على الاستهلاك، ولكن الصورة ليست بتلك القوة عالميا.
وتظهر توقعات صندوق النقد الدولي، التى نشرت الأسبوع الماضي، أن التضخم الاستهلاكى العالمى للدول المتقدمة لن يتعدى 0.7% فى 2016، والبنوك المركزية فى الولايات المتحدة وبريطانيا هى الوحيدة المنتظر أن تحقق معدل تضخم يعادل أو يزيد على النسبة المستهدفة عند 2% بحلول 2017.
وتعد توقعات صندوق النقد الدولى تلك مفيدة، ليس فقط لأنها صحيحة على الأغلب، ولكن لأنها تجعلنا نتخطى الأحداث اليومية لنرى كيف تغيرت مؤشرات النمو العالمى مع مرور الوقت، ومن المنتظر أن تصل نسبة النمو لعام 2016 عند 3.1%، مما يعد أقل قليلا من توقعات الصندوق السابقة فى أبريل الماضى، فيما يعد دليل على أن الأثار السلبية لخروج بريطانيا سوف تتركز على المملكة المتحدة، ولكن العام الماضى كان يتوقع الصندوق أن يبلغ النمو العالمى 3.8%، ونمو الدول المتقدمة 2.4%، أما الآن، فإن أفضل توقعاته لنمو تلك الدول 1.8% للعام الحالى والقادم.
كما خفض «النقد الدولى» توقعاته للتجارة العالمية مرة أخرى، ولدينا الآن ست سنوات متتالية كان نموا التجارة العالمية فيها ثابتا أو متراجعاً كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي.
ولا يوحى أى من ذلك أن التعافى العالمى على وشك التوقف، ولكنه يذكرنا إلى أى مدى أصبح العالم يتوقع الكثير من الولايات المتحدة وبنكها المركزي، وتمكنت أمريكا من تحقيق تعافى معقول، رغم الاقتصاد العالمى المتضرر والارتفاع فى الدولار.
ويراهن المستثمرون على أن التعافى الأمريكى سوف يستمر، رغم المعتقدات المختلفة للحزبين الرئيسيين فى الولايات المتحدة، فدعونا نأمل جميعا أن يكونوا على حق، لأن العالم ليس لديه خطة بديلة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»