فساد القمح.. قطار ينطلق من “الجمعيات”


مصدر بالزراعة: تسجيل مساحات وهمية للاستفادة من مخصصات الأسمدة
«خليل»: 1.2 مليون طن مخزون «الشون» قبل بدء موسم التوريد.. والأزمة خرجت عن سيطرة الوزارة

«الجندى»: مساحات الموسم المنقضى لا تتخطى 2.7 مليون فدان.. والوزارة تنكر وجود أزمات رغم اعترافها بالفساد

الزراعات التعاقدية والحصر الجوى وتحسين أجور مسئولى الجمعيات أهم الحلول
تعد الجمعيات الزراعية المنتشرة فى المحافظات المحطة الأولى لقطار سلسلة فساد منظومة توريدات القمح الوهمية، التى تواصل لجنة تقصى الحقائق المشكلة بمجلس النواب على كشف كميات وهمية سلمت للصوامع والشون.
وطلبت لجنة تقصى الحقائق المشكلة بمجلس النواب من وزارة الزراعة ضرورة إعادة حصر محصول القمح حتى يمكن الوصول إلى الكميات الدقيقة المتوقع تسليمها للصوامع والشون.
ويترتب على البيانات الوهمية الخاصة بمساحات القمح المزروعة الحصول على مخصصات المحصول من الأسمدة، والتى تصل لنحو 5 شكائر للفدان الواحد، لتبلغ الكميات المسروقة لنحو 225 ألف طن الموسم الماضى.
ويقول خبراء زراعيون: إن إجمالى مساحات القمح المزروعة لم تتخطَ 2.7 مليون فدان خلال الموسم الماضى، خلافا لما أعلنته وزارة الزراعة نهاية الموسم أنها بلغت نحو 3.6 مليون فدان، ما يفسر وجود عجز فى الكميات الموردة لصالح وزارة التموين بعد الحصاد.
أصل المشكلة.. وتوابعها
قال مصدر فى قطاع شئون المديريات التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، إن حصر مساحات محصول القمح دائماً ما يكون خاطئاً، ويأتى مزوداً من قبل الجمعيات الزراعية بمساحات وهمية تتم إضافتها دون وجود أية رقابة على الحصر.
وأوضح أن الوزارة تطلب بداية كل موسم زراعى من المديريات التابعة لها فى المحافظات، بزراعة مساحات معينة لبلوغ المستهدف، وبدورها تقوم بإرسال كشوف بالمساحات المطلوبة للجمعيات الزراعية فى القرى لإتمام العملية.
أضاف أن الجمعيات الزراعية ترسل تقارير أسبوعية للمديريات بالمساحات التى تمت زراعتها، لكنها تزود بمساحات وهمية، وذلك بالاتفاق بين رؤساء الجميعات والمزارعين، ما يحدث أزمة فى عملية التوريد نهاية الموسم، والتى كانت سبباً فى أزمة العام الحالى.
تابع أن نسبة من الفلاحين تتفق مع مديرى الجمعيات الزراعية بالقرى لتسجيل زراعة فدان كامل، فى حين أن المساحات الحقيقة أقل من ذلك، وتكون الأسمدة عاملاً رئيسياً فى هذا التلاعب.
ويأتى التلاعب لعدة أسباب أبرزها الاستفادة من كميات الأسمدة المخصصة لمساحات المحصول، ليستفيد الفلاح منها فى أوقات ومحاصيل أخرى، نظراً لعجز الوزارة عن تلبية كل احتياجات المحاصيل منها.
وقال: «الواضح أن وزارة الزراعة تلبى احتياجات المحاصيل من الأسمدة بصورة طبيعية، ودائماً ما تصرح بأنه لا يوجد عجز فى الاحتياجات، لكن المحاصيل تحتاج لكميات أكبر من التى توفرها الوزارة، ما يحمل الفلاحين اللجوء للسوق السوداء، وهو ما يفسر تزوير مساحات محصول القمح».
كما أن الجمعية توافق على وضع المساحات الوهمية لتغطية عجز كميات الأسمدة الناتج عن تصرف بعضها لـ«المحاسيب» خارج الحيازات المسجلة للاستفادة منها فى مساحات زراعية غير مستحقة، وهنا تتضح الرؤية فى أسباب الأزمة.
وتأتى الكميات الوهمية فى الشون والصوامع الخاضعة لإشراف لجان مشكلة من وزارات «الزراعة، والتموين، والصناعة»، بالاتفاق بين المشرفين عليها والتجار.
وأشار إلى أنهم يتسلمون كميات أقل فى حين يسجلون أرقاماً أخرى من خلال استخدام البطاقات الوهمية، التى سجل بها الفلاحون فى الجمعيات الزراعية المشار إليها سابقاً.
كما أن بعض الشون تتفق مع المستوردين على إدخال كميات من القمح المستورد بديلأً للمحلى، والاستفادة من فارق الأسعار، مشيراً إلى أن %80 من شون التخزين يوجد بها كميات من القمح المستورد بداية موسم التوريد يتم خلطها بالإنتاج المحلى.
وقال: إن المساحات الوهمية التى تمت زراعتها الموسم الماضى تخطت %25 من إجمالى المساحات التى أعلنتها وزارة الزراعة عند 3.6 مليون فدان.
أوضح، أن الجمعيات الزراعية تتحكم فى العملية بالكامل، ووزارة الزراعة لا يمكنها كشف التلاعب من خلال منظومة العمل الحالية، والتى اعتادتها منذ عقود سابقة، ما جعل مهندسى الجمعيات خبراء فى التلاعب بها.
أضاف أن قرار تغيير منظومة دعم القمح بدعم الفلاح بدلاً عن المحصول بداية موسم الزراعة كانت سبباً فى زيادة التلاعب العام الحالى، والذى اعتمدت عليه بعض الجمعيات الزراعية وأدى إلى عزوف الفلاحين عن زراعة القمح فى الموسم الماضى بعد التأكد من تعرضهم للخسائر فى حالة استمرار العمل بها.
وكان مجلس الوزراء، قد قرر فى النصف الأخير من نوفمبر 2015، تغيير منظومة استلام القمح بناء على تحديد سعر استلام المحصول على أساس متوسط السعر العالمى، ووفقاً لأسعار الدولار المعلنة من قبل البنك المركزى.
وتضمن القرار، تقديم دعم نقدى على الحيازة الزراعية بقيمة 1300 جنيه للفدان الواحد للمساحات أقل من 25 فدانا، وفيما عدا ذلك تعد مساحات استثمارية لا تستحق الدعم، اعتباراً أن المساحات الكبيرة تنخفض تكلفتها الإنتاجية بنحو %25.
أضاف المصدر، أن السبب الحقيقى وراء التلاعب، انخفاض أجور مديرى ومهندس الجمعيات، لتتراوح رواتبهم الشهرية بين 1050 وألفى جنيه شهريا، شاملة المكافآت والحوافز، فضلا عن مطالبة الوزارة لهم بضرورة التواجد طوال أيام الأسبوع دون إجازات.
ويحصل مدير الجمعية على نحو 200 جنيه فقط طوال الشهر كمكافأة على حضور أيام الأجازات، كما أنه فى الجهة المقابلة يوجد نسبة كبيرة منهم لا يحضرون للعمل إلا فترات بسيطة صباح كل يوم لإثبات الحضور وفقط، ما يجعل الموظفين يتلاعبون فى الأوراق دون رقيب.
وقال مجدى الشراكى، رئيس جمعية الإصلاح الزراعى، التابعة للاتحاد التعاونى المركزى: إن الصورة واضحة، والجميع يعلم بفساد وزارة الزراعة المتفشى فى جوانبها منذ فترات طويلة، لكن لا أحد يتحرك للقضاء عليه بطرق إيجابية.
أوضح الشراكى أن فساد الوزارة بوجود مساحات وهمية من القمح وقت الزراعة لا يحمى وزارة التموين من المسئولية.
وأشار إلى أن لجان الاستلام فى الشون والصوامع يوجد بها مراقبون تابعون لها، وأنها المسئولة عن صحة البيانات لتجنب حدوث أية أزمات لهيئة السلع التموينية المسئولة بدورها عن تلبية احتياجات المستهلكين من الخبز.
أضاف الشراكى، أن الفلاحين تقدم بالاتفاق مع الجمعيات الزراعية مساحات تصل لنحو 16 قيراطا وأحياناً 12 فقط ليتم تسجيلها على أنها فدان كامل، فى ظل عدم وجود رقابة حقيقية من أجهزة الوزارة المختصة لكشف هذه التلاعبات.
وتابع: من المفترض أن لجان الحصر الفعلى لمساحات الزراعة يمكنها كشف التلاعب فى البيانات الواردة للوزارة، لكنه لا يتم بصورة صحيحة، وفى أغلب الأحيان لا يتم على الإطلاق، والذى كان جزءاً من إثارة الأزمة الحالية.
أشار إلى أن لجان الحصر تشكل من الجمعيات التى تتلاعب نفسها بالكشوف، فكيف ستكتشف إذن؟
وأثار سعيد خليل، مستشار وزير الزراعة سابقاً، قضية ضعف منظومة القمح الحالية، إذ إنها مبنية على أسس خاطئة، وتسمح بمساحة لتفشى الفساد فيها بدءاً من الفلاح والجمعيات الزراعية بالقرى وصولاً لكبار المسئولين عنها.
أوضح خليل أن وزارة الزراعة لا تملك قاعدة بيانات كاملة عن القطاع الزراعى والأراضى، فضلا عن تكاسلها عن التحقيق فى العديد من الشكاوى والمذكرات التى ترفع لها بوجود فساد، رغم أنه فى كثير من الأحيان ما يكون موثقاً بالمستندات.
أضاف أن مجموعة من خبراء الزراعة تقدموا بمذكرة للوزير الحالى قبل بدء الموسم لإعداد قاعدة بيانات متكاملة لتلاشى الأخطاء، التى وقعت فيها الوزارة خلال العهود السابقة لكنه لم يبت فيها مطلقاً.
وتابع: المساحات المزروعة الموسم الماضى لم تتخطَ 2.7 مليون فدان، وفقاً لأغلب التقديرات، ما يشير إلى وجود نحو 900 ألف فدان وهمى أُدخلت على المنظومة ولا وجود لها على الواقع.
أوضح خليل، أن الوزارة تُلقى بالمسئولية الكاملة على وزارة التموين، باعتبار أنها مسئولة عن زراعة المحصول فقط، لكن مسئوليتها أكبر لوجود مساحات سجلت بكشوف الحصر، ولم تتم زراعتها فعلياً، كما أنها متهمة بحكم وجود مندوبين عنها فى لجان الاستلام بالتوازى مع التموين.
أضاف أن إجمالى مساحات التخزين فى الشون والصوامع والهناجر لا تتخطى أكثر من 3.3 مليون طن، فى إشارة إلى أن الكميات المعلنة من قبل وزارتى الزراعة والتموين مغلوطة، والدليل على ذلك وجود فجوة بين الكميات المعلنة من قبل الوزارتين وقت إعلان انتهاء موسم التوريد.
وكشفت وزارة التموين عن استلام 5 ملايين طن كاملة وقت اعلانها انتهاء موسم التوريد منتصف شهر يونيو الماضى، فى حين أن وزارة الزراعةأعلنت أنها لم تتسلم أكثر من 4.880 مليون طن ليظهر فاقد نحو 120 ألف طن أعلنتها التموين، ليكون دليلاً واضحاً على إمكانية وجود كميات أكبر، والتى على أساسها بدأ التحقيق فى القضية من قبل مجلس النواب.
وقال مجدى مكسيموس، رئيس لجنة تقصى حقائق القمح المشكلة من مجلس النواب، إن التوريدات الوهمية تتراوح بين 40 و%45 من إجمالى المعلن عنه من قبل وزارتى التموين والزراعة.
وكشف سعيد خليل، عن وجود كميات فى شون التخزين تقدر بنحو 1.2 مليون طن مستوردة عند بدء موسم توريد القمح المحلى، لم يتم فصلها عند توريد الإنتاج المحلى، ووزارة الزرعة على علم كامل بها، ما يشير إلى وجود الفساد على مستويات كبيرة.
وقال مصدر، فى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات التابعة لوزارة الصناعة، إن وزارتى الزراعة والتموين يتبادلان الاتهامات فيها بينهما منذ بدء موسم التوريد منتصف إبريل الماضى، والتى بدأت بأزمة استلام المحصول من الفلاحين اعتماداً على الحيازة فقط، والتى طالبت بها وزارة التموين بحجة ضمان عدم دخول أقماح مستوردة كما حدث العام الماضى.
وتسببت أزمة الحيازة فى تزاحم الفلاحين على أبواب الشون لرفض اللجان استلام المحصول دون وجود الحيازة، رغم أن أكثر من %70 من المساحات الزراعية فى مصر تخضع لنظام الإيجار من الغير.
أوضح أن وزارة الزراعة تعلم جيداً أن المنظومة التى تعمل من خلالها مخترقة من قبل الجميعات الزراعية، لكنها لا تستطيع السيطرة عليها.
وقال عبد الغنى الجندى، عضو اللجنة الاستشارية لوزير الزراعة سابقاً، إن الوزارة تعانى فساداً داخل كل القطاعات، لكنها لا تملك آلية متكاملة لإدانته، مشيراً إلى أن تفشى الفساد يعطيه اليد الطولى لحكم الأمور.
أوضح عبد الغنى أن منظومة العمل فى القطاع الزراعى تحتاج لإعادة هيكلة شاملة من قبل هيئة الرقابة الادارية المختصة.
أضاف أن الوزارة دائماً ما تنكر وجود الأزمات، وأغلب تصريحاتها فى وسائل الإعلام «كله تمام»، خاصة بشأن القضايا المهمة، لأنها لا تستطيع التصريح بهذه المشكلات، نظراً لضعف قياداتها.
وتابع: القمح الذى تسلمته هيئة السلع التموينية يوجد به كميات كبيرة من القمح المستورد، ووزارة التموين على علم بذلك، والذى جاء نتيجة استمرار فتح باب الاستيراد أثناء عملية توريد المحصول المحلى.
أوضح ان مطالبات وزارة الزراعة لوقف الاستيراد لم تكن على المستوى المطلوب، والتى لم يبت فيها مجلس الوزراء نتيجة اعتياد الحكومة هذا الأمر على مدى السنوات الماضية.
وأعرب تجار الأقماح بالمحافظات المختلفة، عن عدم وجود أية كميات فى السوق من الإنتاج المحلى، فى الوقت الحالى.
وقال تاجر أقماح بمحافظة المنيا، إن الدولة تتسلم القمح بأسعار 420 جنيها للإردب، وهى أسعار ضمان تسعى لجذب المزارعين إليها لجمع أكبر كمية ممكنة تستفيد منها هيئة السلع التموينية فى منظومة الخبز.
أوضح أن التجار تسلموا كل الكميات التى تحصل عليها من الفلاحين فى فترة الحصاد للاستفادة من فارق أسعار الشراء والبيع للسلع التموينية، الذى يتراوح بين 30 و40 جنيها فى أغلب الأحيان للإردب الواحد.
وقال تاجر بمحافظة الغربية، إن الأقماح الموجودة فى السوق حالياً مستوردة جميعها، تتراوح أسعارها بين 320 و330 جنيها للإردب، ويتخلص التجار من الكميات المحلية لديها تخوفاً من الخسارة لانخفاض الأسعار بعد انتهاء موسم التوريد.
أوضح أن التجار الذين يتبقى لديهم كميات محلية لم يتمكنوا من تصريفها وقت التوريد، يتم حفظها فى شون تخزينية بتكنولوجيا خاصة للموسم المقبل، ومن ثم تسليمها للسلع التموينية على أنه إنتاج جديد، لكن ارتفاع تكلفتها يحملهم التخلص من كل الكميات التى يجمعونها من الفلاحين قبل انتهاء موسم التوريد.
الحلول:
اقترح مصدر بوزارة الزراعة، حلاً للأزمة من خلال تغيير منظومة العمل، لتقوم على أساس تقعيل الزراعات التعاقدية بين وزارة الزراعة والفلاحين وبعض شركات الاستثمار الزراعى العاملة فى القطاع الخاص، والتى لها قدرة أكبر من الحكومة على تنظيم العمل، بالتعاون مع وزارة التموين.
أوضح أنه يمكن توقيع عقود قبل بدء الموسم الزراعى بين الشركات الاستثمارية والفلاحين والوزارة، عن طريق مركز الزراعات التعاقدية، الذى أنشأته الوزارة منذ أكثر من عام، لكنه لم يدخل حيز التفعيل بعد دون أسباب واضحة.
وتابع المسئول أن المشترى هنا يتمثل فى هيئة السلع التموينة، وتُمكن المنظومة العمل من خلال أسس ومعايير واضحة، عبر تحديد متوسط الإنتاجية، على أن يتم تخصيص بند داخل العقد بمساءلة الشركات حال التقصير فى البنود المتفق عليها.
وقال: إن كل الأطراف ستستفيد من هذه المنظومة، بداية من الشركات المتعاقد معها للإشراف على الزراعة بتسويق إنتاجها من المبيدات والتقاوى بصورة أفضل، نظراً لاعتماد الفلاحين عليها أكثر من الدولة فى توفير هذه الاحتياجات الفترة الماضية.
كما أن الجمعيات التعاونية ستستفيد من خلال الحصول على هامش ربح بواقع 5 جنيهات لكل طن يتم تسليمه من خلالها توزع على الموظفين لتحسين أوضاعهم المالية.
وقال الدكتور عصام شلبى، أستاذ المحاصيل الحقلية بجامعة الإسكندرية، إن الفساد فى المنظومة الزراعية بلغ مداه فى السنوات الماضية.
وقال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن الحكومة يمكنها حساب المساحات المزروعة من محصول القمح كل عام عن طريق التصوير الجوى، لتلافى عمليات التزوير التى تحدث سنوياً.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: الصوامع القمح

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2016/08/01/875887