«أنور» لم يستطع تحويل «السادات» إلى عاصمة.. وخطة «جمال مبارك» أجهضها أبوه
منذ آلاف السنوات تغير موقع العاصمة المصرية شمالاً وجنوبًا مصحوبًا بتغيير اسمها وأنظمة الحكم، التى توالت على البلاد لتستقر منذ أكثر من 1000 عام على «القاهرة» قلب الحكم ومركز الدولة الحديثة.
بدأت قصة العاصمة المصرية منذ عهد الفراعنة ولم تكن «منف»، أو «ميت رهينة» فى البدرشين بالجيزة حاليًا، عاصمة مصر فى عهد الأسرة الفرعونية الأولى هى الأخيرة وتلتها عواصم عدة منها «طيبة» فى الأقصر و«أورايس» بالشرقية.
وفى عهد الرومان كانت الإسكندرية، التى أنشأها الإسكندر المقدونى هى العاصمة المصرية فى العهدين الرومانى واليونانى قبل الفتح الإسلامى، الذى شهد إنشاء عمرو بن العاص لمدينة الفسطاط على ساحل النيل الشمالى الشرقى.
وفى عهد الخلافة العباسية كانت منطقة العسكر هى العاصمة وبنيت شمال مدينة الفسطاط، وشرق حى المدابغ الحالى، لكن الطولونيين بعد ذلك اتخذوا من مدينة القطائع، التى بناها أحمد بن طولون والى مصر عاصمة لهم، وهى الآن قلعة الكبش بمحافظة القاهرة.
وبعد قرابة المائة عام من إنشاء القطائع جاء إلى مصر جيش الفاطميين من المغرب بقيادة جوهر الصقلى موفدًا من الخليفة المعز لدين الله، ووصل إلى الفسطاط فى يوليو عام 969 ووضع أساس القاعدة الفاطمية الجديدة، والتى سماها «القاهرة» تيمناً باسم النجم القاهر «المريخ» وفى سنة 973 تحولت إلى عاصمة الدولة الفاطمية عندما انتقل إليها المعز لدين الله من المغرب، وأطلق عليها قاهرة المعز.
وفى العهد الحديث جرت محاولات عدة لإنشاء «القاهرة البديلة» ولم تخرج عن كونها فكرة تراود رؤساء مصر ومنهم أنور السادات الذى سعى لنقل العاصة إلى مدينة تحمل إسمه على أطراف محافظة المنوفية لكن بقيت «القاهرة» على حالها وأصبحت «السادات» مجرد مدينة تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية.
وفى سنوات «مبارك» الأخيرة حاول رجال لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل تأسيس عاصمة جديدة شرق القاهرة وبعد الإعلان عن المشروع تم إيقافه بتعليمات رئاسية خوفًا من نقل مؤسسات الدولة الهامة إلى موقع يصعب السيطرة الأمنية عليه.
وقبل انعقاد مؤتمر القمة الاقتصادية فى مارس 2015 بشرم الشيخ أعلنت وزارة الإسكان عن خطة لإنشاء عاصمة إدارية جديدة وخلال المؤتمر تم توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة المصرية ورجل الأعمال الإماراتى محمد العبار لتأسيس العاصمة ونقلت شاشات التليفزيون نقاشه مع «السيسى»، الذى أصر على اختصار فترة التنفيذ وقال: «عشر سنين إيه أنا باتكلم بجد إحنا ما نعملش شغلنا كده ولا عشر سنين ولا سبع سنين».
واستمرت المفاوضات بين «العبار» ووزارة الإسكان لعدة أشهر دون الوصول لصيغة تفاهم حول عقد العاصمة بسبب الخلاف حول حصة الدولة فى المشروع وآلية توفير التمويل اللازم للتنفيذ، والذى تصر الحكومة على جمعه من الخارج.
ورغم الإعلان عن تأسيس شركة «كابيتال سيتى بارتنرز» لتنفيذ المشروع بالشراكة بين «العبار» وعدد من رجال الأعمال الإماراتيين بجانب منح شركة «إيجل هيلز»، التى يرأس «العبار» مجلس إدارتها دور المطور العام للمشروع فإن الاتفاق لم يتم، وتم إلغاء مذكرة التفاهم.
بعدها أعلن الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان قيام الدولة بدور المطور الرئيسى لمشروع العاصمة الإدارية على أن تستعين بشركات مصرية لتنفيذ أجزاء من العاصمة يمكن أن تكون شركة «العبار» إحداهم.
وبالفعل وفرت وزارة الإسكان 5 مليارات جنيه من ميزانية العام المالى الماضى لبدء ترفيق المرحلة العاجلة بالعاصمة الإدارية، والتى تصل 3 آلاف فدان من بين 40 ألف فدان مساحة المرحلة الأولى، فيما تصل مساحة العاصمة 168 ألف فدان.
وأصدر رئيس الجمهورية، قرارا باعتبار أراضى العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمرانى من مناطق المجتمعات العمرانية الجديدة.
وتم تأسيس شركة «العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية» وبلغ رأسمال الشركة المدفوع 6 مليارات جنيه موزعة بين القوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية وتشكيل مجلس إدارة الشركة المكون من 13 عضوًا، منهم 3 أعضاء من ممثلى هيئة المجتمعات العمرانية و6 أعضاء من ذوى الخبرة، و4 أعضاء ممثلين عن القوات المسلحة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، إن العاصمة الإدارية الجديدة، التى يتم إنشاؤها حاليا، هى مشروع تنموى جديد، يهدف إلى خلق بيئة عمل متكاملة، حديثة، عالية التقنية، مخدومة ببنية أساسية عالية الجودة.
وأضاف: «تعمل العاصمة الإدارية على جذب رؤوس الأموال والشركات العالمية وإتاحة الفرصة لتفريغ القاهرة من التكدس الناتج عن حركة العاملين بالوزارات والجهات الحكومية، وستصبح القاهرة العاصمة التراثية والثقافية والتاريخية ومقصدا سياحيا».
وأكد أن طرح فكرة إنشاء عاصمة إدارية جديدة جاء متوافقا مع عدد من الدراسات التخطيطية السابقة، وأنه كانت هناك مبادرات سابقة لتفريغ القاهرة من الوزارات تباعا، وتم أكثر من مرة اختيار بعض المواقع ولم تدخل حيز التنفيذ.
وأشار مدبولى إلى أن العاصمة الادارية الجديدة من المخطط أن توفر مساحات لوجود الوزارات المختلفة، ومجلس الوزراء، بالاضافة إلى حى دبلوماسى للسفارات، ومقار للشركات والمؤسسات الدولية الكبرى، ومراكز للمال والأعمال، ومناطق للمعارض، ومنطقة سكنية، ومجمعات تكنولوجية، وعدد من الجامعات والفنادق الكبرى.
وقال الوزير: «يجب أن يكون هناك توضيح مهم خاص بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وهو ليس نقلا للعاصمة الحالية، فالمكان المقترح هو داخل النطاق الإدارى والجغرافى للقاهرة، هو مجرد إنشاء مركز إدارى جديد للمال والأعمال، بهدف إستعادة ريادة العاصمة إقليميا وعالميا، مع تهيئة المناخ الثقافى والسياحى للقاهرة التاريخية».
وأضاف: «المشروع سيتكامل مع تنمية منطقة قناة السويس، وسيكون مركزا للمال والأعمال للقاهرة، وللعلم المنطقة الحكومية لن تضم كل الوزارات، فهناك وزارات قامت بتنفيذ مقار لها فى أماكن أخرى مثل وزارة الداخلية، وسيكون هناك مقر ضخم للبرلمان بحيث يضم مكتبا خاصا لكل عضو برلمانى، بجانب مقار دبلوماسية».