قناة بنما الجديدة تواجه انحسار العولمة وتراجع التجارة العالمية
تباطؤ التجارة يدفن طموح الثراء مع مليارات الدولارات نفقات
5.4 مليارات دولار تكلفة الحفر
جاء عشرات الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم لرؤية المعجزة تتحقق، حيث تمر سفينة صينية عملاقة بحمولة مذهلة تضم 9 آلاف حاوية بعد أعمال استمرت سبع سنوات فى أحدث تطوير للقناة، التى يبلغ عمرها 102 عاما لتصبح جاهزة لمواصلة أعمالها التجارية وفقا للتوسعة الجديدة.
لم يكن الافتتاح تاريخيا نظرا لأنه جاء بعد نحو قرن من انطلاق العمل بالقناة عام 1914، لكن لأن الطريق إلى قناة بنما الجديدة كان مشابها لما حدث قبل 100 عام أو يزيد فكما كان الحال فى ذلك الوقت كانت عملية بناء القناة تواجه العديد من الصعوبات على طول الطريق.
ولكن كما كانت فى القرن الماضى، فالقناة الآن بالنسبة لكثير من الناس أطلقت فرصا جديدة للعالم بما فى ذلك نها اطلقت حقبة جديدة من العولمة والتجارة، بيد أن ذلك يحدث فى وقت يدير العالم فيه ظهره أيضا للعولمة ولتحرير التجارة.
هناك أربعة أمور يجب معرفتها عن قناة بنما الجديدة والقديمة لتحديد حجم الإنجاز وفائدته للعالم بحسب تقرير لموقع منتدى دافوس العالمى:
1. تم التخطيط لتوسعة قناة بنما بناء على تصورات عصر العولمة
بدأ عرض فكرة توسيع القناة رسميا قبل 10 سنوات (2006)، عندما كان النمو فى التجارة العالمية فى أوج ازدهاره منذ عقود طويلة، ولم تكن الأزمة المالية قد حدثت حتى ذلك الوقت واقتصاد الصين ينمو فوق الـ10% والطرق القائمة للتجارة الدولية عبر البحار، ومن بينها قناة بنما لا يمكنها التعامل مع الطلب المتزايد.
يبدو أن الوضع كان مبهرا مثل نهاية القرن الـ18 ففى تلك الحقبة الاستعمارية، ازدهرت التجارة العالمية للمرة الأولى وعملت القوى الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على استخدام السفن لتمكين التجارة فى جميع أنحاء إمبراطوريتهم. وانتعش نشاط المطورين مثل الدبلوماسى الفرنسى فرديناند ديليسبس أول من بنى قناة السويس، التى تربط البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، وبعد ذلك ركز على بناء قناة للاتصال بين المحيط الأطلنطى والمحيط الهادئ، وهى قناة بنما.
2. ميزانية غير كافية ووقت غير كافى
فازت المجموعة المتحدة من اجل القناة وهو اسم التحالف الذى بنى القناة الجديدة حيث حصلوا على التعاقد فى عام 2009 بعد ان قدموا عرضا بـ3.12 مليار دولار وهو أقل بكثير من المبلغ المتوقع من ادرارة هيئة قناة بنما لهذه العملية، وهو 3.48 مليار دولار، كما انه اقل بنحو مليار دولار عن ارخص عرض مقدم من المنافسين. وكانت الفكرة ان يتم الانتهاء من العمل فى غضون خمس سنوات ليكون افتتاح القناة مواكب للذكرى المائة لافتتاح قناة بنما القديمة عام 1914.
ولكن الخطة فشلت فمن ناحية استغرقت وقتا أطول بنحو عامين مما كان متوقعا لبناء القناة ومن ناحية ثانية زادت التكلفة بأكثر من مليار دولار عن الميزانية المحددة حيث بلغت التكلفة الاجمالية نحو 5.4 مليار دولار تقريبا والكثير من هذه النفقات لا يزال متنازعا عليه. وعلاوة على ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول نوعية الأهوسة الجديدة، التى بدت غير مناسبة وأضيق من مما يرى العديد من المهندسين أنه الحجم الأمثل.
هذا الوضع يشبه الى حد بعيد ما حدث مع بناء القناة الأولى، التى تأخرت أيضا وتجاوزت الميزانية المحددة فحوالى عام 1880 بدأ الفرنسيون أول عملية لبناء قناة بنما، كما فعلوا فى السويس قبل بضع سنوات. ولكن الأمراض المدارية مثل الملاريا والحمى الصفراء، وعدم وجود آلات البناء الكافية والمادية والمفهوم الخطأ لتصميم القناة وضع حدا لجهودهم بعد حوالى عقد من الزمن. وفى الوقت الذى غادر فيه الفرنسيون كان ما يقدر ب 22 الف شخص قد لقوا حتفهم. وتخلى الفرنسيون فى نهاية المطاف عن المشروع، الذى أصبح كارثة مالية. واستغرق الأمر عقدين ونصف قبل الانتهاء من المشروع بعد ان اشترته الولايات المتحدة التى نجحت فى وضع تصميم مناسب يقوم على بناء السدود فى الانهار وشق الطرق فى الغابات ليتم الافتتاح بنجاح فى عام 1914.
3. القناة الجديدة مجهزة لاستقبال حجم هائل من التجارة العالمية
ياتى اكتمال القناة الجديدة فى الوقت الذى يتم فيه حوالى 90% من مجموع التجارة العالمية عن طريق البحر، وحوالى 5% من مجموع التجارة يمر عبر قناة بنما نفسها.
وتسمح القناة الجديدة للسفن التى يصل عرضها لنحو 50 مترا، وطولها أكثر من 350 مترا للمرور من خلالها بحمولة تصل إلى 13 ألف حاوية، وعلى هذا النحو فإنها قادرة على استيعاب أكثر من ضعف قدرة السفن القديمة، والتى يمكنها أن تحمل 5 آلاف حاوية فقط. وكانت تلك القدرة أكثر من كافية فى أوائل القرن العشرين عندما كان عدد سكان العالم أقل من 2 مليار دولار لكن سرعة نمو التجارة العالمية لمواكبة تعداد السكان العالمى الذى اقترب من 7 مليارات نسمة فى أوائل القرن الـ21 جعل من توسعة القناة مسالة حيوية.
كانت القناة الجديدة بمثابة النبأ العظيم لبنما نفسها وللعالم ايضا فمع النشاط الاقتصادى المصاحب لها ستكون هى مصدر حوالى 40% من الناتج المحلى الإجمالى وسيصل متوسط العبور اليومى للسفن عبر الممر المائس من 35 إلى 40 سفينة بحيث يرتفع نصيبها الى 6% من التجارة البحرية حول العالم. وبحسب صحيفة بوينس آيرس هيرالد فإان هيئة قناة بنما تأمل أن المشروع سيحقق زيادة اضافية فى الدخل تصل الى 2.1 مليار دولار سنويا بحلول عام 2021، والتى تمثل 2.8% من الناتج المحلى الإجمالى. كما اشارت تقديرات صندوق النقد الدولى الى إن التوسع فى قناة بنما سوف يقلل تكاليف الشحن البحرية العالمية بمقدار 8 مليارات دولار سنويا.
4. افتتاح القناة يواجه تحديات التجارة العالمية
كانت الحكومة البنمية تهدف من القناة الجديدة للمساعدة فى مواجهة معدلات الفقر وعدم المساواة المتفشية فى البلد نظرا لأنها سوف تجلب مصادر جديدة للدخل بالنسبة للخزانة العامة للدولة. ولكن رهان بنما على الوصول بالإيرادات السنوية الى 5 مليارات دولار يأتى فى وقت صعب للتجارة الدولية وقطاع الشحن العالمى.
وتسبب انهيار أسعار البترول الى الحضيض والتباطؤ الاقتصادى فى الصين فى حدوث هبوط حاد لتكاليف الشحن. ففى الوقت التى تخضع فيه العولمة حاليا لضغوط هائلة تقع التجارة الدولية تحت نفس هذه الضغوط.
ففى حين كان متوسط النمو فى دول العالم من 5% إلى 10% فى العام بلغت نسبة النمو فى العديد من البلدان أقل من 5%.
كما ان الاحداث تسير فى اتجاه الاسوء بحسب توقعات الخبراء بعد التطورات الأخيرة المرتبطة بتصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الاوروبى وردود الفعل القومية فى فرنسا وألمانيا وصولا إلى الولايات المتحدة.
ودفعت التطورات الأخيرة مفهوم العولمة التقليدى الى دائرة الشكوك حتى إن بعض الناس يتساءل إذا كان عصر العولمة قد ولى.
ومن شأن ذلك أن يشبه مرة أخرى الوضع فى عام 1914، عندما واجهت العولمة والتجارة العالمية خطر النهاية المفاجئة بسبب الحرب العالمية الأولى. ودخلت الإمبراطوريات الاستعمارية فى حرب طويلة، وأغلقت الدول الحدود فتراجعت التجارة، واستغرق الأمر عقودا للتجارة العالمية لتعود الى مرحلة التعافى. لكن هل سيكون الوضع مختلفا هذه المرة؟
