بقلم: أنس الحجى
توفيت منظمة الدول المصدرة للبترول «الأوبك»، قتلتها السعودية، فـالأوبك الآن ما هى إلا مجرد حى ميت «زومبى» بلا أنياب، تجذب الانتباه، ولكن دون أن يكون لها أى تأثير على الأحياء.
ولاحظ قلة من المراقبين نهاية «الأوبك» لسبب بسيط، أنها لم تملك أبداً التأثير الذى كان يتصوره العديد، فلم تكن المنظمة أبداً اتحاداً احتكارياً يملك قوة احتكارية فى السوق، وأى شخص يعتقد غير ذلك كان ينسب إليها عن طريق الخطأ قوة السوق التى تتمتع بها السعودية.
وقوة السعودية توسعية، فلا تزال المنتج المهيمن فى أسواق البترول العالمية، وقراراتها السياسية والاقتصادية تشكل اقتصاديات الطاقة العالمية، وسيتفاقم هذا التأثير إذا أحيت المملكة الخام العربى الخفيف باعتباره الخام القياسى العالمى.
وبالطبع، قد يتمكن اللاعبون الجدد فى لعبة إنتاج الطاقة من توجيه ضربة للسعودية، ولكن حتى الآن نجحت المملكة فى تجنب أى ضرر بالغ.
وعلى سبيل المثال، كان لثورة البترول والغاز الصخرى فى الولايات المتحدة تأثير دولى بعيد المدى أكبر بكثير مما كان متوقعاً، وأدار حوض المحيط الأطلسى فائضاً فى البترول، إذ كان إنتاجه أكثر من استهلاكه، لأول مرة منذ نصف قرن.
فى حين أصبح حوض المحيط الهادئ الأرض الخصبة الوحيدة للتخلص من البترول الفائض، إذ تسبب الارتفاع الهائل فى البترول الصخرى المنتج محلياً فى خسارة أعضاء «الأوبك» الجزائر وأنجولا ونيجيريا لحصة سوقية كبيرة فى الولايات المتحدة.
ولكن هذه الثورة لم يكن لها تأثير يذكر على السعودية والعراق أو الكويت بفضل نوعية البترول الخام، فكانت الجزائر وأنجولا ونيجيريا تصدر إلى الولايات المتحدة نوعاً من البترول الخفيف العذب المماثل للبترول الصخرى، ولكن العديد من مصافى التكرير الأمريكية لا تزال تعمل بأنواع أثقل من البترول الخام التى تستوردها الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ونتيجة ذلك، فإن الحصة السوقية للسعودية فى الولايات المتحدة تبدو مضمونة نسبياً.
ولكن هذا لا يعنى أن السعودية لا تُقهر، بل على العكس، خسرت حصة سوقية فى أكبر الدول المستوردة للبترول فى آسيا، التى زادت مشترياتها من خام غرب أفريقيا (المحول من الولايات المتحدة)، ولعل الأمر الأكثر ألماً هو فقدان السعودية لحصة سوقية كبيرة فى الصين، بعد أن اقتنصتها روسيا.
وخلال العامين الماضيين، أعلنت السعودية بوضوح صارخ، أنها لن تتخلى بسهولة عن حصتها السوقية لأى دولة، وشنت حملة لاستعادة وضعها السابق ليس فقط فى سوق البترول، ولكن أيضاً فى المنتجات البترولية والغاز الطبيعى المسال والبتروكيماويات، ولتحقيق هذه الغاية، أدارت السعودية حرب أسعار عززتها زيادة الإنتاج، بهدف إقصاء المنافسين الأضعف.
وفى أول الأمر، استهدفت السعودية صناعة البترول الصخرى، ولكن استراتيجيتها لتأكيد هيمنتها على أسواق الطاقة العالمية تطورت بمرور الوقت، فتكيفت مع المعلومات الاقتصادية والظروف السياسية الجديدة.
وفى نهاية المطاف، استدرجت السعودية منظمة «أوبك» بأكملها إلى حرب الأسعار، فزادت الدول من إنتاجها لأطول فترة ممكنة، الأمر الذى أدى بدوره إلى انخفاض الأسعار، وعندما بلغ الإنتاج ذروته، خرج أضعف المنتجين من السوق، ثم دخل أعضاء منظمة «أوبك» فى منافسة سعرية مباشرة مع بعضهم البعض.
وتدرك السعودية الآن أن الأسعار المنحفضة لن تعيد لها بشكل كامل حصتها السوقية فى آسيا وأوروبا، ولكنها ترى أيضاً أنها لم تعد بحاجة للأوبك، المنظمة التى فرضتها على العالم مع أول حظر للبترول العربى فى عام 1973 واستخدمتها منذ ذلك الحين كدرع لسياستها النفطية. وعندما أظهرت ثورة الغاز الصخرى الأمريكى، أن منظمة الأوبك عديمة الجدوى، قررت السعودية أن صنيعتها لا تستحق البقاء على قيد الحياة.
ولكن هذا لا يعنى أنه لا يوجد أمل فى التعاون بمجال الطاقة، فالسعودية تسعى فى الوقت الراهن لتنفيذ تحولاً كبيراً فى سياستها الأجنبية والاقتصادية وفى مجال الطاقة، والذى تجسد فى الخصخصة الوشيكة لجزء من شركة «أرامكو»، شركة البترول القومية.
ويشير كل ذلك إلى أن المنافسة فى أسواق الطاقة ربما تتحول من البترول الخام إلى المنتجات المكررة، وهذا من شأنه أن يخلق فرصاً جديدة للتعاون، فقد يشترى المنتجون الذين يتمتعون بسعة تخزين وتكرير ضخمة الفائض من البترول من المنتجين الذين يفتقرون لمثل هذه القدرات.
وسيكون لتحول التنافس على البترول إلى التنافس على المنتجات البترولية تأثير عميق على أسواق البترول العالمية والصناعات المرتبطة بها مثل الشحن، وفى نهاية المطاف، سيزيد هذا التحول على الأرجح الكفاءة العامة لسوق البترول، وتعزيز قدرة المنتجين على مواجهة تقلبات السوق، وسيفوز منتجو البترول الخام والدول المصدرة للبترول المكرر ممن يتمتعون بالتكنولوجيات الأكثر تطوراً بالهيمنة، بدءاً بالسعودية.
المصدر: بروجيكت سينديكيت
إعداد: نهى مكرم