بقلم: نيك بوتلر
اكتشف العالم منطقة جديدة غنية بإمدادت الطاقة، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، ظهرت 3 اكتشافات غاز فى شرق البحر المتوسط، ومن المحتمل أن يتم اكتشاف المزيد فى هذه المنطقة.
وبعد هذه الاكتشافات، أصبحت المنطقة تحظى باهتمام دولى ضخم، ويعد التحدى الوحيد لإخراج هذا الغاز للأسواق الذى ستستخدمه ليس جغرافياً أو تكنولوجياً وإنما سياسي.
إذن، كيف سيتم حل هذه «المسألة الشرقية» الجديدة؟ لسنوات غابت الإجابة المرضية ما تسبب فى تعثر تنمية حقول قبرصية وإسرائيلية، وفى ردع المزيد من الاستكشاف، أما الآن، فيبدو أن مجموعة من الظروف فتحت الباب أمام حل عملي.
ويغطى شرق البحر المتوسط – والذى يطلق عليه عادة حوض بلاد الشام – امتداد المياه من الساحل الشمالى لمصر ثم إسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وحتى الساحل الجنوبى لتركيا، والاكتشافات الثلاثة الكبيرة هى حقل لوثيان الذى يبعد 130 كم عن شاطى حيفا، وحقل أفروديت، شرق حقل لوثيان وقبالة سواحل قبرص، وحقل ظهر فى المياه الإقليمية المصرية على بعد 120 ميلاً من مدينة بورسعيد.
ويوجد سوق غاز إقليمي، ولكن حجم الاكتشافات يتخطى الاحتياجات المحلية، ولتبرير تطوير الحقول، ناهيك عن المزيد من الاستكشاف، ينبغى إنشاء خط تصدير، وهنا تبدأ المشكلات السياسية.
ويعد الحل الأرخص لأى أحد يرغب فى تصدير الغاز من حوض بلاد الشام، أن يبنى خط أنابيب إلى تركيا الذى من خلاله سيسافر الغاز إلى جنوب ووسط أوروبا، ولكن هذا يعنى أن الخط ينبغى أن يعبر عبر المياه التى تسيطر عليها قبرص، وهذا غير مقبول للأتراك، الذين لم يعترفوا أبداً بالانفصال السياسى لقبرص، ما تسبب فى صراعات منذ السبعينيات.
وفى كل الأحوال، سوف يأخذ خط الأنابيب ذلك الغاز إلى أوروبا المشبعة بالفعل من إمدادات الغاز من روسيا على الأقل، وسيخضع غاز شرق المتوسط إلى منافسة من مصادر مطورة حديثة تأتى إلى تركيا وأوروبا من منطقة بحر قزوين ومن إيران لاحقاً.
وللطريق التركى مؤيدوه، والمصدرون، خاصة فى إسرائيل، قد لا يشعرون بالارتياح بعد محاولة الانقلاب، والمعاملة السيئة التى تلقاها المتهمون بالتورط.
ويتمثل الحل الثانى فى بناء مرافق لتسييل الغاز ونقله إلى الأسواق المتنامية فى جنوب آسيا، مثل الهند، والتى ترغب فى استبدال الفحم بالغاز لتقليل التلوث والانبعاثات.
ولكن مرافق الغاز الطبيعى المسال ليست رخيصة، وستكون أقل تكلفة لمرفق جديد فى المنطقة تتراوح ما بين 8 و10 مليارات دولار حتى قبل إضافة التكاليف الأمنية التى لا مفر منها، كما أن الاكتشافات حتى الآن فى قبرص أصغر من أن تجعل بناء مرفق منفصل ذا جدوى اقتصادية.
وفى إسرائيل، محدودية الأراضى والاعتراضات البيئية تجعلان بناء محطة غاز مسال برى غير محتمل إن لم يكن مستحيل، ومن الممكن بناء مرفق عائم فى البحر باستخدام التكنولوجيا التى طورتها شركة «شل» وغيرها، ولكن التكاليف سوف تكون مرتفعة بشكل هائل فى سوق شهد تراجعا فى أسعار الغاز الطبيعى حول العالم.
ومع ذلك، هناك حل ثالث ممكن سياسيا، وقابل للتطبيق اقتصاديا.
تحتاج مصر للغاز، ولديها مرافق تصدير قائمة بالفعل، وتراجع إنتاجها للغاز على مدار السنوات القلية الماضية، وواصل الاستهلاك المحلى الارتفاع، ويساهم الغاز فى 75% من توليد الكهرباء فى الدولة، وهذا تسبب فى تقليل القدر المتاح للتصدير، وجعل مرافق الغاز المسال فى إدكو ودمياط غير مستغلة بالكامل.
وهنا يبدأ الحل الإقليمى فى التشكل، فالغاز من إسرائيل يمكن أن يساعد مصر على تلبية احتياجاتها الفورية، وعلى المدى البعيد، يمكن أن يتم ضخ الغاز من حقلى لوثيان وأفروديت إلى مصر ثم تسييله وشحنه إلى السوق العالمى.
ويوضح مقال ملىء بالمعلومات فى صحيفة «دايلى نيوز» المصرية ما يمكن فعله ولكنه يغفل تفصيلة حاسمة، وهو ان الوصول إلى الأسواق المتنامية فى الخليج وجنوب آسيا يمكن أن يتم من خلال إرسال الغاز المسال عبر قناة السويس المصرية.
وتحتاج الولايات المتحدة وأوروبا لتأمين حلفاء فى المنطقة، وقد يساعدون فى تمويل البنية التحتية الضرورية، وتعد السعودية والهند من أكثر الدول طلبا للغاز الطبيعى، وتحتاج إسرائيل للاستقرار على حدودها الجنوبية بالنظر إلى التحديات المتواصلة نتيجة الحرب الأهلية السورية فى الشمال، كما تحتاج إلى منفذ لغازها دون الاعتماد على السياسات المتقلبة لتركيا، ولا عجب إذن فى زيارة وزير الخارجية المصرى، سامح شكرى، لإسرائيل الشهر الماضى.
وكان يقال عن «المسألة الشرقية» الأصلية، التى تعلقت بمصير تفكيك الإمبراطورية العثمانية فى أواخر القرن التاسع عشر، إنها غير قابلة للحل ومعقدة لدرجة ان القليل من الدبلوماسيين كانوا يفهمونها، أما القضية الجديدة فهى معقدة بنفس القدر، ولم يتم إيجاد حل لها حتى الآن.
ولكن تستطيع مصر تقديم حل مناسب يخرج الأتراك من اللعبة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»