بقلم: روبرت صامويلسون
لا يزال العداء تجاه وول ستريت قوياً، لدرجة أن الحزبين السياسيين على حدٍ سواء يقولان، فى برامجها الانتخابية، إنها يرغبان فى تفكيك أكبر بنوك أمريكا، ولكن قبل الخوض فى هذه العملية الجراحية الاقتصادية، ينبغى علينا أن نبحث فى ما إذا كان قانون «دود- فرانك» ناجحاً أم لا.
فهل أصلح هذا القانون، الذى سمى تيمناً بواضعيه السيناتور السابق، كريستوفر جى دود، وممثل مجلس النواب، بارنى فرانك، النظام المالى بحيث يكون مقاوماً للفزع أم لا؟ فى الواقع، قد تكون الإجابة مفاجئة.
ويعد موقف حكومة أوباما واضحاً: «نستطيع أن نقول دون شك إن إصلاح وول ستريت جعل نظامنا المالى أكثر أمناً وصحةً»، حسبما قال وزير الخزانة الأمريكي، جاكوب ليو، مؤخراً فى الذكرى السادسة لتوقيع القانون.
وإلى حدٍ ما، يعد هذا الكلام صحيحاً، فقد أصبح يشترط على البنوك أن تحتفظ برؤوس أموال أكبر من قبل الأزمة المالية العالمية فى 2008- 2009، وهو ما يشكل دعامةً أكبر ضد الخسائر.
ويتكون رأس المال عادة، وليس دائماً من استثمارات المساهمين فى البنوك، وفى 2016، وصلت نسبة الأسهم العادية إلى الأصول الخطرة فى أكبر البنوك إلى 12.2%، أى أكثر من ضعف مستواها فى أوائل 2009.
ويعنى ذلك، أن البنوك يمكنها اجتياز الصدمات الاقتصادية، ومنذ 2009، يُخضع الفيدرالى بشكل دورى البنوك لاختبارات تحمل، والتى تحاكى ركوداً عميقاً، وتبحث كيف ستتصرف البنوك، وفى أحدث الاختبارات تم افتراض أن تتضاعف البطالة إلى 10%، وأن يفقد سوق الأسهم نصف قيمته، وأن يتراجع الناتج الاقتصادى بحوالى 8%، أى أكبر من التراجع أثناء الكساد الكبير.
وتحت هذا السيناريو، تعد خسائر البنوك المقدرة ضخمة عند 385 مليار دولار، حسبما قال الفيدرالي، وتعثرت البنوك، وفقدت السندات قيمتها، ومع ذلك، ظل أكبر 33 بنكاً، التى تمتلك أصولاً تزيد على 50 مليار دولار، وتشكلون أربعة أخماس قطاع البنوك الأمريكى، تستوفى اشتراطات رأس المال التنظيمية.
وتعد هذه أنباء جيدة، ولكن جوهر الأزمة المالية فى 2008- 2009 كان الفزع بين كبار المودعين (صناديق التحوط، والمعاشات، والشركات)، ما تسبب فى تكالب على سحب الودائع.
وسحب هؤلاء أموالهم؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون إذا كانت البنوك تتمتع بملاءة مالية قوية أم لا، ولكن إذا كانت البنوك تتمتع برأسمال كبير، ربما كانت هذه المخاوف لتكون أهدأ، والسحوبات تكون محدودة. وفى الواقع، هددت التدفقات الخارجة من البنوك، آنذاك، بكساد كبير ثانٍ، حيث خفضت البنوك الإقراض، وتخلت عن السندات للاستجابة لمطالبات المودعين.
ولكن ما حال دون وقوع كساد آخر هو الاستجابة السريعة للاحتياطى الفيدرالي، والذى أدى دوره كمقرض الملاذ الأخير، وقدم تريليونات الدولارات كقروض للبنوك وغيرها من المؤسسات المالية لتخفيف خسائر الائتمان الخاص، ودون هذه الأموال، من يدرى ما كان ليحدث.
أما الأنباء السيئة، حالياً، هى أن الكونجرس من خلال قانون «دود- فرانك» جعل من الصعب على الفيدرالى أن يتصرف كمقرض الملاذ الأخير، حسبما يقول هال سكوت، أستاذ فى كلية الحقوق بجامعة هارفرد، والخبير المحنك فى التنظيمات المالية.
ويقول «سكوت»، إن تداعيات ذلك قد تكون كارثية، فالركود فى أمريكا سوف يفرض تحديات على النظام السياسي، وتداعيات ذلك قد تمتد إلى الخارج، ما سيقوض الدور العالمى للولايات المتحدة.
وخلال الأزمة المالية العالمية، اعتمد الفيدرالى على المادرة رقم 13 من قانون الاحتياطى الفيدرالي، وهذا النص أعطى للفيدرالى صلاحيات واسعة وفقاً لتقديراته فى أوقات الظروف «الاستثنائية والملحة»، والآن، يفرض قانون «دود فرانك» قيوداً على هذه المادة.
وتعد تلك القيود مشكلة حقيقية، ولدى الفيدرالى سلطات كبيرة، ويعتقد المسئولون المنتخبون ديمقراطياً، أنهم ينبغى عليهم التحكم فى هذه السلطات، ولكن الأزمات المالية تتسم بالفزع وتكون بطبيعتها سريعة التحرك وذات أحداث غير متوقعة، وهذا يتطلب تحركاً حاسماً، وإلا ستصبح وحشاً لا يمكن احتواؤه.
وتختلط الأحكام على قانون «دود – فرانك»، فأحد أهدافه كان تحسين الاستقرار المالى على المدى القصير، وهذا تم تحقيقه، أما هدفه الآخر فكان سياسياً، وهو تكبيل من أداروا حزم الإنقاذ المالية والتى رغم ضروريتها، أثارت غضباً شعبياً واسعاً، وهذا يفسر لماذا قيد الكونجرس الفيدرالي.
ومن المثير للسخرية، أن التشريع الذى تم سنه لحمايتنا من الفزع المالي، سوف يجعل فرص الفزع فى المستقبل أكبر.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «واشنطن بوست»