بقلم/ فلاديمير بوبوف وجومو كوامى صاندرام
فى مايو 2010، أشار مسح عالمى أجرته شركة «ماكينزى أند كومبانى»، إلى أن المحركات الرئيسية لاتزال حية وقوية.
وفى أبريل 2014، ذهبت الشركة لأبعد من ذلك، وأكدت أن الدول غير المتصلة بالنظام العالمى ستتخلف عن الركب.
والآن يبدو أن «ماكينزى» غيرت نغمتها، وفى تقرير جديد بعنوان «أفقر من آبائهم؟ ثبات أو انخفاض الأجور فى الاقتصادات المتقدمة»، يؤكد معهد ماكينزى العالمى أن الدول المتقدمة لا ينبغى أن تتوقع مكاسب كثيرة من العولمة، بجانب تعثر نمو الدخل منذ الأزمة المالية فى 2008، وحتى فى حال العودة إلى مستويات النمو القوية فى الناتج المحلى الإجمالى، لن تعكس هذا الاتجاه.
ووجدت «ماكينزى»، أنه وخصوصاً فى الفترة من 2005 إلى 2014، ظلت الأجور الحقيقية (المعدلة وفق التضخم)، ثابتة أو تراجعت فى 65% أو 70% من الأسر التى يشكل قوامها 450 مليون شخص عبر 25 اقتصاداً متقدماً.
وفى الولايات المتحدة، خلال هذه الفترة، عانى 81% من السكان ثباتاً أو انخفاضاً فى الأجور، ووصلت النسبة إلى 97% فى إيطاليا.
وفى المقابل، فى الفترة من 1993 إلى 2005، ظلت الدخول الحقيقية فى الاقتصادات المتقدمة ثابتة أو انخفضت فى 2% فقط من الأسر.
ومنذ عام 2005، أثبتت العولمة أنها سلاح ذو حدين، وتوقف الساسة حول العالم، عن التهليل لها.
وكما وصفها رئيس الوزراء الفرنسى الأسبق، دومينيك دو فيلبان: «العولمة تعزز التعاون من ناحية، ولكنها جلبت نوعاً جديداً من الإقصاء والعزلة والتطرف».
وفى الولايات المتحدة، فاز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهورى للرئاسة رغم برنامجه المناهض للتجارة والهجرة، وتتشكل قاعدة مؤيدى ترامب من الناخبين من الطبقة العاملة من البيض، والذين يشعرون بأن العولمة دمرت فرصهم فى النجاحين الاقتصادى والأمنى.
وأدار الفريق المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى حملة مشابهة، وبدأت مشاعر كراهية الأجانب والحركات الشعبوية تنتشر فى الغرب، ويرجع بعض اللوم فى ذلك إلى الحكومات الغربية التى فشلت فى مساعدة «الخاسرين» بسبب تجاهلها للتأثيرات غير العادلة للتجارة الحرة.
وبالطبع، يمكن أن تخفض التجارة الحرة، الأسعار على المستهلكين، وترفع الاجور الحقيقية لبعض العمالة، ولكنها عادة ما تفعل ذلك، على حساب العمالة الأخرى التى يتم تسريحها أو نقلها إلى بلدان أخرى عندما تنقل الشركات، التى تتنافس منافسة شرسة عالميا، مقراتها إلى أماكن أخرى.
ومع الوقت، ورغم استفادة أشخاص كثيرين فى دول قليلة، فإن كثيرين غيرهم فقدوا فى الأجور الحقيقية أكثر مما جنوه من انخفاض تكلفة الواردات.
وتعد مبادرة «المساعدة من أجل التجارة» للدول النامية، إحدى الخيارات لتخفيف آثار تسريح أو نقل العمالة الناتجين عن العولمة، وهى المبادرة التى اقترحها الاقتصادى فى جامعة كولومبيا والداعم للتجارة الحرة، «جاجديش باجواتى»، منذ اكثر من 10 سنوات.
وأدرك باجواتى، أن التجارة الحرة يمكن أن تكون قوة مدمرة وتتطلب آليات دولية لمواكبتها، خصوصاً للدول النامية الأقل ديناميكية.
ونادى بتقديم تحويلات مالية من الدول المتقدمة إلى نظيرتها النامية لتعويضها على انتقال الإمكانات الإنتاجية والتصديرية منها، ولمساعدتها على تحسين تلك الإمكانات، لكى تصبح أكثر تنافسية.
ولن تكون إدارة التحول الاقتصادى نحو التنافسية الدولية سهلة، إذ تتطلب عادة تدخلات الحكومة لتنسيق الموارد، ووضع البنية التحتية، وإقامة المشروعات المعززة للصادرات.
وللأسف، فإن الجيل الجديد من الاستثمارات واتفاقات التجارة الحرة التى يروج لها القادة الأمريكيون والأوروبيون اليوم – وعلى الأغلب بوعود مبالغ فيها من الفوائد الاقتصادية – لا تقدم أى من هذه المتطلبات. كما أنه فى ظل كون التجارة العالمية محررة بالفعل بقدر كبير، وفى ظل ركود او تراجع الأجور، فإن أى ادّعاءات بأن اتفاقات التجارة الحرة ستعزز الدخول، هى ادعاءات مشكوك فيها على أقل تقدير.
بل على العكس.. تشكل الاتفاقات المقترحة مثل الشراكة عبر الأطلنطى، تهديداً خطيراً للدول النامية، نظراً لأن بنودها غير التجارية ستقوى قبضة أصحاب الملكيات الفكرية، والشركات متعددة الجنسية ضد الحكومات، وكل ذلك من شأنه تقويض الاقتصادات الناشئة بدلاً من مساعدتها على النهوض.
ولقد سمعنا عن ضحايا العولمة فى العالم المتقدم، حيث لم يرى معظم الناس مكاسب حقيقية فى الدخل منذ أكثر من 10 سنوات، ولكن إذا تم تطبيق البنود غير التجارية تلك، فسنرى قريباً صراعاً فى الدول النامية، ما سيتسبب فى تداعيات اقتصادية وسياسية يصعب توقعها.
إعداد/ رحمة عبدالعزيز
المصدر/ موقع «بروجكت سينديكيت»