المخاطر السياسية تدفع الشركات للإحجام عن استثمار أموالها
14 تريليون روبل سيولة مالية فى خزائن الشركات الروسية
تقوم سلطة الحكم فى روسيا على تحديد طريق تعزيز التنمية الاقتصادية لكن فى الوقت الراهن تتصارع وجهتا نظر فى إدارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بشكل واشح حول كيفية تحقيق الإصلاح الاقتصادى.
واحتدم النقاش على مدى العامين الماضيين على خلفية الأزمة الاقتصادية والانخفاض الحاد فى أسعار البترول إلا أن الحكومة لم يكن لديها وقت لمتابعة استراتيجيات طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية فبدلاً من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية اتبعت السلطات الروسية إجراءات مكافحة الأزمة بطريقة سريعة.
ولا تنفى البيانات الجيدة فى الأشهر الأخيرة الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادى فعلى الرغم من أن الأزمة لم تنته بعد فقد تراجع معدل الانخفاض فى الناتج المحلى الإجمالى إلى ثلث ما كان عليه قبل عام واحد فقط، وهبط التضخم إلى نصف ما كان عليه من قبل، وانكمشت تدفقات رأس المال الهاربة من البلاد إلى معدل أقل بنحو خمس مرات.
وتقع موسكو فى حيرة اختيار الطريق القويم لكى تسلك مسار الإصلاح الاقتصادى مستغلة التعافى النسبى الذى وفر لها مساحة من الوقت والتفكير للعمل على توفير حلول جذرية للمشكلات الهيكلية.
وأشار موقع روسيا دايركت فى تقرير له إلى أن بوتين جلب لمساعدته على حل هذه المشكلة، الربيع الماضى صديقه القديم وزميله اليكسى كودرين، الذى خدم لسنوات عديدة فى منصب وزير المالية قبل الإطاحة به بسبب خلافاته مع الرئيس السابق ديمترى ميدفيديف.
وبات كودرين المسئول عن الفريق الاقتصادى للرئاسة المتمثلة فى مركز الدراسات الاستراتيجية، الذى صاغ البرنامج الاقتصادى لبوتين قبل ولايته الأولى فى عام 1999.
ومع ذلك، لم يعط تفويضاً مطلقاً وأرجع الخبراء ذلك لأنه ينتمى إلى رتبة «الليبراليين»، والتى تشمل العديد من القيادات الحالية فى القطاعات المالية والاقتصادية للبلد مثل الفيرا نابيولينا رئيس البنك المركزى واليكسى اوليوكاييف وزير التنمية الاقتصادية وأنطون سيلوانوف وزير المالية الحالى (الذى كان لسنوات عديدة نائب وزير المالية فى عهد كودرين) ولذلك، فمن الواضح أن برنامج كودرين الجديد سوف يكون ليبراليا.
ويرى كثيرون أن الأفكار الليبرالية، بما فى ذلك فى المجال الاقتصادي، ليست فى صالح روسيا اليوم خصوصا وأن الأجواء العامة حاليا تسيطر عليها نغمة تحميل هذا الفريق مسئولية المشكلات التى تواجهها البلاد وهو أمر معتاد منذ عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسن.
وحرصاً منه على إحداث التوازن جلب بوتين إلى الواجهة ما يسمى «الدولجية» أولئك الذين يفضلون حكومة مركزية قوية تسيطر على كل المجالات بما فى ذلك الاقتصاد ومنهم سيرجى جلازييف، مستشار الرئيس والأكاديمى البارز وبوريس تيتوف، أمين مظالم الاعمال والقيادى فى حزب النمو، واندريه كليباتش، نائب رئيس فنيش إكونوم بنك ونائب وزير التنمية الاقتصادية السابق.
واقترح الدولجية خطوطاً عريضة لكيفية تعزيز النمو الاقتصادى فى البلاد منها زيادة الاستثمارات وضخ أموال الدولة فى الشرايين المالية من خلال السيولة المتوفرة فى البنك المركزى والتى تصل 1.5 تريليون روبل.
ودعا ممثلو هذا الفريق إلى إلغاء «التعويم الحر» للعمة المحلية «الروبل» عن طريق وضع سعر صرف يحدده البنك المركزى بهدف الحد من المضاربة على العملة الوطنية والذى تسبب فى أضرار بالغة.
وفى المرحلة الثانية تتم العودة للضريبة الاجتماعية الموحدة التى ألغيت فى عام 2010، فضلاً عن تخفيض العبء الضريبى على الشركات من 49% حالياً، إلى متوسط مستوى 41%، وتعزيز تدابير مرونة السياسة النقدية فضلاً عن الإصلاحات فى القوانين والنظام القضائى وبعض جوانب برنامج معاشات الشيخوخة.
فى المقابل يعرض مركز الدراسات الاستراتيجية برئاسة كودرين الممثل للفكر الليبرالى وجهة نظر مختلفة حيث يجب أن تأتى الاستثمارات من القطاع الخاص ولكن على الدولة تهيئة الظروف المواتية لذلك – من خلال ضمان استقرار الاقتصاد الكلى، وانخفاض التضخم وخفض العجز فى الميزانية، وهذا يعنى أيضا تنفيذ الإصلاحات، وكذلك إنهاء الأزمات مع الغرب، والحد من التوترات السياسية والسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وحذر كودرين من أن النمو الاقتصادى لا يعوقه عدم وجود المال فالحسابات المصرفية للشركات تراكمت حالياً لتصل إلى 14 تريليون روبل، مشيرا إلى أن المخاوف السياسية تدفع الشركات لعدم استثمارها والاحتفاظ بها فى الاحتياطى تحسباً لليوم الممطر كما يقول المثل الروسى.
ويعتبر الدولجية هذه الخطط بأنها منهج الاقتصاد الكسول لأنه ينتظر الغير للعمل فى حين يحتاج الاقتصاد إجراءات فورية فعالة وصارمة وليس مجرد الانشغال بخفض التضخم وتشديد السياسة المالية، بيد أن أنصار كودرين يرون أن التحفيز الفعال فى الاقتصاد، من خلال قروض رخيصة، وطباعة النقود ستؤدى فى نهاية المطاف، إلى تسريع التضخم وتقلب سعر صرف الروبل.