اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة السادسة
مضت اكثر من خمس سنوات على يناير 2011 وما زال موضوع قضايا الفساد المالى واستعادة الأموال المنهوبة بقصد أو بغير قصد.. معلقا.. ولا سيما بالنسبة لرجال الأعمال الذين ارتبطوا بمثل هذه القضايا.. كنت حينها من المطالبين بإقرار قانون يسمح بالمصالحة فى قضايا الفساد المالى لاستعادة حقوق الدولة.. اسوة بتجربة نيلسون مانديلا عند توليه حكم جنوب أفريقيا فى عام 1994.. هذه قضية شائكة طالها جدل كبير منذ يناير 2011 وحتى يومنا هذا وتدار من خلال جهات متعددة وبكل حالة على حدة ولا يوجد إطار قانونى أو تنظيمى موحد لتتم من خلاله مع حماية الجادين من الراغبين فى الصلح.
إن تحقيق المصالحة الاقتصادية ـ وهو مطبق فى العديد من الدول ـ بقانون او إجراءات واضحة وشفافة دون الحاجة للخوض فى او استكمال القضايا القانونية تجاه من هم متهمون بقضايا الفساد هذا الاتجاه لا يكرس لمنطق تبييض الفساد، والأموال، والهروب من العقاب كما يدّعى البعض، بقدر ما يحمله من رغبة فى خلق مناخ الثقة بين رأس المال الوطنى والإدارة والدولة وعودة الكفاءات المهاجرة التى ارتبط اسمها بنظام الرئيس الاسبق محمد حسنى مبارك.. ولا سيما أنه ليس هناك رقم محدد لقيمة قضايا الفساد فكل ما نسمعه من ارقام ليس له اساس وانما هى تصريحات او اجتهادات لهذا وذاك.. ولا توجد آليات واضحة وسريعة ولا هناك إدانات واضحة انتهت بقضايا منتهية نهاية لا رد لها.. حتى جهود جهاز الكسب غير المشروع فى استرداد أموال الدولة المنهوبة لم تصل الى نتائج بشأن الاموال المهربة لسويسرا أو لندن فى ضوء الإجراءات البيروقراطية والمستندات المطلوبة لها، ناهيك عن وجود احكام قاضئية نهائية وباتّه تجاه اصحاب هذه الاموال وبطريقة قانونية عادلة.. فهل نضيع وقتنا أم نحذو حذو ما تم مع حسين سالم وتصالحه بـ5.7 مليار جنيه..
فلجنة تسوية العقود واقرار تنظيم كيفية الطعن على عقود الدولة ولجنة استرداد اصول الدولة المشهورة بـ«لجنة محلب» ـ مع حفظ الألقاب ـ وما جاءت به من نتائج إيجابية هى كله جهود متشعبة تصب تحت مظلة المصالحة والتسويات.. وهذا لا يقلل من قيمتها وما انتجته حتى الآن..
لا شك إقرار تدابير خاصة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالى والاعتداء على المال العام تفضى إلى غلق مثل هذه الملفات نهائيا وطى صفحة الفساد تحقيقا للمصالحة باعتبارها الغاية السامية للعدالة الانتقالية، كما يهدف إلى اتخاذ إجراءات من شأنها دفع الاقتصاد الوطنى وتوفير جهد ووقت وتكلفة يتحملها النظام القضائى. هذه بالاضافة الى الموارد العائدة للدولة سواء فو صورة اصول يعاد استخدامها مرة أخرى او أموال تضخ فى خزانة الدولة المنهكة.. فدولة بحجم مصر وما مرت به من ازمات اقتصادية تحتاج لكل مورد يمكن الحصول عليه ولعل اسهل الموارد جنيا هو اموال التصالحات.. ويا سلام لو تمت هذه التصالحات بالدولار..
ولا شك أن دعم الدولة لهذا الاتجاه وإسراع وتيرة العمل به دون إهدار حق الدولة سيكون له صدى كبير على عودة أموال هاجر بها اصحابها خوفا وتحسبا ان تطولها يد القضاء فرأس المال او من يهرب اذا احس بالخطر وأول من يضخ إذا احس صاحبه بالأمان.. وبالتالى عودة اصحاب هذه الأموال وضخها مرة أخرى فى السوق بدلا من انفاقها او استثمارها فى الخارج وخسارة السوق المحلى لها.. بدل ما كل شوية نستفز جيب المواطن المثقل بالأعباء مثله مثل الموازنة العامة للدولة..
فإذا كان حصرا لدى الدولة بأصحاب هذه الأموال المستهدفة فعليها بدعوتهم للتصالح.. وهو ما يتطلب من الدولة تجهيز نظامها القانونى والمؤسسى ومواردها البشرية تجاه زيادة الوعى بنظام النزاهة والحوكمة وتعارض المصالح والحد من منافذ وأسباب الفساد برفع امكانيات العنصر البشرى معنويا بالتدريب ورفع القدرات وتوفير دخل مادى مناسب لمعيشته يدرأ عنه قبول الهدايا أو الخوض فى الرشاوى.. حيث اصبح موضوع حوكمة الحكومة واجهزتها ونزاهتها وميكنة كل خدماتها وإصلاح جهاز خدمتها المدنية من القضايا الإصلاحية المهمة.. ولايعنى ذلك ان تتوقف يد الدولة عن بطشها لكل من تسول له نفسه لاحقا أو حاليا بالامتناع عن إعادة حق الدولة.. فالدولة لديها يدان يد للتصالح ويد للبطش.. مع المضى قدما فى إصلاح أنظمتها القانونية والمؤسسية للحد من الفساد.. وحتى تستكمل جهودها أيضا لإصلاح خدماتها ومرافقها التى تمس الموطن..
وما نبغى إلا إصلاحا..