بقلم: لونيد بيرشيدسكي
فى الوقت الذى يشدد فيه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قبضته على السلطة بعد الانتخابات الغامضة التى أعطت حزبه أغلبية ساحقة، تنزلق روسيا فى ركود مطول. وخفضت وزارة الاقتصاد من آمالها للنمو حتى 2019. ومن المتوقع أن يتراجع أداء الاقتصاد الروسى عن نظرائه، بوتيرة أكبر من المتوقعة سابقاً.
وعلى هذه الخلفية تستمر ألاعيب بوتين الجيوسياسية، ويتواصل تغير الأجيال فى فريقه، وهو ما سيخلق ازدواجاً فى القيادة الروسية.
ويبدو أن سياسته التأكيدية سواء السياسية أو العسكرية بدأت تؤتى ثمارها. فمنذ عام 2014، استولى على إقليم القرم. وأثار غضب المنافسين الغربيين، وشوشهم بما يعرف بـ«الحرب الهجينة» التى تتضمن كل شيء بدءاً من العمليات العسكرية غير المعلنة وحتى القرصنة.
وكتب أستاذ العلوم السياسية، أليكساندر مروزوف، على حسابه على «فيسبوك»: «إذا ظل بوتين يحاول أن يجبر الغرب على إعادة التفكير فى الدور العالمى لروسيا فى عالم السياسة، فمن الواضح أن عليه الاستعداد لمرحلة جديدة من حروب العصابات مع الغرب».
ويقصد مروزوف، بذلك، التعديل الأخير فى الجهاز الأمنى الروسي، وسلسلة التغييرات فى الأشخاص، ما أعطى دوراً أكبر لبيروقراطيين ومنظرين لا يدين لهم بشيء.. وإنما يدينون له بكل شيء.
وعلى الجبهة الأمنية والخارجية، يعد بوتين استبدادياً من الدرجة الأولى، وقادراً على تعزيز قوته، وصنع قرارات مدروسة جيداً، ولكنه غير كفء فى الشئون الاقتصادية.
ويكمن دور الفريق التكنوقراطى القوى فى وزارتى المالية والاقتصاد والبنك المركزى، فى الحفاظ على الوضع الراهن، الذى يبدو قاتماً من وجهة نظرهم.
وتستند التوقعات الاقتصادية الجديدة إلى متوسط سعر بترول عند 40 دولاراً للبرميل حتى 2019. وقلصت وزارة الاقتصاد مستوى نمو الناتج المستهدف العام الحالى بنسبة 0.6% من 0.2%، كما خفضت مستوى النمو المستهدف خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذا يعنى أن روسيا ستتخلف اقتصادياً عن باقى العالم فى الوقت الذى يحاول بوتين أن يجعلها أكثر نشاطاً كقوة عالمية.
وتبدو هذه الأولويات غير مناسبة من جانب الحس السليم. وفى النهاية يعد تأكيد الذات خارجياً، وتشديد الضوابط داخلياً، أمراً له تكلفة.
ودار حديث بين المشروعين المنتخبين حديثاً عن رفع الضرائب، مثل إلغاء ضريبة الدخل الثابت البالغة 13% التى حفزت الاقتصاد الروسى فى أوائل الألفينيات والعودة إلى الشرائح الضريبية حسب الدخل.
وهذا الأمر من شأنه الإضرار بالشركات التى تعانى بالفعل الركود والسيطرة الحكومية المفرطة. وكما حدث خلال العامين الماضيين، ستواصل وزارة المالية والبنك المركزى على الأرجح تقليص العجز فى الموازنة بأى وسيلة.
وفى الوقت نفسه، يعزز البنك المركزى من طبع «الروبل» لشرء العملة الأجنبية من صناديق الاحتياطى الحكومية، وبالتالى يضخ تريليونات من العملة الجديدة فى الاقتصاد، وهذا من شأنه وضع ضغوط على سعر صرف الروبل وعلى الأسعار الاستهلاكية.
ومع ذلك، خفضت وزارة الاقتصاد من توقعاتها للتضخم للعام الحالى إلى 5.8% من 6.5%، ويبقى لنرى إذا كان البنك المركزى سيظل قادراً على الحفاظ على انخفاض التضخم فى الوقت الذى تكافح فيه الدولة لسد العجز فى الموازنة.
وحتى الآن، يدفع المواطن الروسى العادى ثمن الركود الاقتصاد وفرط النشاط السياسى للدولة. وفى أغسطس الماضي، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 8.3% مقارنة بالشهر نفسه من 2015، وفقاً للبيانات الرسمية، وهى نسبة أعلى من أى شهر منذ الأزمة المالية العالمية فى ديسمبر 2008.
وحتى الآن، لا يزال الروس يصبرون بصمت، ولكن إذا كان الإقبال المنخفض بشكل مثير للدهشة على الانتخابات البرلمانية يدل على شيء، فهو يدل على أن إحساسهم بالانفصال عن نظام بوتين يتزايد.
وإذا لم يغير الرئيس الروسى توجهاته لتحفيز التوسع الاقتصادي، قد يبدأ صبر الروس فى النفاد.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»