طالعتنا الحكومة بتعديلاتها المتعددة قبل مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى وتحديدا منذ النصف الثانى من عام 2014 عن عزمها لطرح نسبة من أسهم مجموعة من الشركات العامة فى البورصة المصرية فى اكتتابات عامة كإحدى الأدوات المالية لتدبير سيولة مالية للحكومة التى تعانى موازنتها العامة من عجز مستمر متزايد..
الاكتتابات العامة الاولية IPO Initial Public Offering او ما يسمى الطرح الأولى (هى إصدار اسهم الشركة لجمهور المستثمرين وطرحها لاول مرة فى سوق الأوراق المالية «البورصة»). ويحدث الاكتتاب العام عندما تقرر الشركة أن تصبح شركة عامة منفتحة او طرح كل او جزء من اسهمها للبيع فى البورصة من اجل الحصول على موارد مالية وهذا مرتبط بوفرة السيولة القوية فى السوق وتوقيت زمنى مناسب يساعد على نجاح الطرح فى اطار مناخ استثمارى جاذب. وعادة ما يتم تنفيذ الاكتتابات فى الأسواق القوية أو الصعودية، بسبب وجود المزيد من الأموال المتدفقة، ولأنه من المرجح أن يرغب المستثمرون فى الشراء أو الاستثمار فى شركات جديدة بمعنى وجود بضاعة جديدة جيدة من الأسهم.
وتنقسم عملية الطرح إلى مرحلتين أساسيتين كل منها له مراحل فرعية، الأولى وهى الاعداد لعملية الطرح، وتتولاها وشركة استشارية تقوم بغربلة الشركة من الناحية المالية والفحص النافى للجهالة وتشخيص الشركة وتقييم وضع الحوكمة فيها وأصولها وهيكلها المالى والإدارى واستراتيجيتها ورؤيتها والنظام المحاسبى لها ونظام المراقبة الداخلية من اجل الوقوف على اهم العيوب المالية والادارية للشركة واقتراح معالجتها وحينها يسهل تقييمها واعدادها للطرح، وغالبا ما تستغرق هذه المرحلة من 6 اشهر الى سنة بحسب درجة التعقد فى وضع الشركة ومدى كبرها من صغرها.. أما المرحلة الثانية، ويقوم بها فى الاغلب الاعم بنك استثمارى ـ وهو ليس البنك التجارى المعروف لدى الجميع ـ وهى مرحلة القيد فى البورصة وبدء الطرح والترويج للاسهم موضع الاكتتاب العام وهذا قد تستمر من ثلاثة الى 6 اشهر اذا كانت الاسهم مقيدة من قبل او جرت عملية قيدها خلال المرحلة الاولى.. الاولى تتم بتكلفة والثانية تتم فى الاغلب بنظام عمولة.
وغالبا لا تجرى الاكتتابات العامة المحلية بمعزل عن وضع المناخ الاستثمارى والبورصة محليا وحركة الاستثمارات واسواق المال الاقليمية والعالمية.. فعلى الصعيد العالمى، طالعنا احد التقارير الذى اصدرته احدى الشركات الاستشارية عن وضع سوق الاكتتاب العالمى، حيث شهد انخفاضاً فى معدل الإصدارات فى النصف الأول من عام 2016 مقارنة مع النصف الأول من عام 2015. إلا أن حجم النشاط فى الربع الثانى كان أكبر منه فى الربع الأول من العام 2016. ويعزى ذلك الى أنه لا تزال تدابير التخفيف الصادرة عن البنك المركزى الأوروبى وبنك اليابان فعالة، بينما يُتوقع أن يقوم النظام الاحتياطى الفيدرالى برفع أسعار الفائدة بوتيرة أبطأ. إلى جانب انتعاش أسعار النفط، فإن الانخفاض فى التقلب وتحسين المؤشرات الاقتصادية، كلها عوامل منحت المستثمرين تفاؤلاً كبيراً نسبياً عما كانوا عليه فى الربع الأول، ورغم أن نتيجة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكسيت» ما زالت موضع مراقبة من كل الاسواق لكونها لم تحدث فعليا بعد، إلاّ أن الأداء المتوسط للاكتتابات العامة الأولية بقى قوياً فى نهاية الربع الثانى. وعلى الرغم من العائدات المتوسطة التى تم تحقيقها بنسبة 13% لاكتتابات عام 2016 و12% لاكتتابات عام 2015، فإن ذلك يتفوق على العديد من البدائل الاستثمارية الأخرى. وان كانت اسواق الخليج الاكثر تأثرا، حيث استمرت حالة الضعف التى تشوب أداء الاكتتابات العامة الأولية داخل دول مجلس التعاون الخليجى فى الربع الثانى من عام 2016 فى ظل ما يحصل من تقلب فى أسعار النفط واضطراب الاقتصاد العالمى وعدم الاستقرار السياسى فى المنطقة، إضافة إلى أثر نتيجة استفتاء الـ«بريكسيت»، فكل هذه العوامل من شأنها أن تزيد من حالة عدم اليقين حول أسواق دول مجلس التعاون الخليجى.
عودة مرة أخرى إلى البورصة المصرية وخطة طرح عدد من شركات الدولة فى البورصة لجذب 10 مليارات دولار ـ وهو رقم يثير الجدل من حيث الكيفية والمدة الزمنية والطبيعة تجاه من أعلنت عنه ـ وفى خضم عوامل مثل مناخ الاستثمار الحالى وأزمة الدولار الحالية محاليا وتقلب اسعار النفط عالميا وتراجع المؤشرات الاقتصادية العالمية تأثرا بالازمات الاقتصادية ووضع الصين وازمة الديون لبعض الدول الأوروبية.. تثور التساؤلات التالية: هل تم تشخيص واعداد الشركات المزمع طرحها فى البورصة فى اكتتاب عام بشكل جيد؟ واذا تم هذا هل تم الاخذ فى الاعتبار عاملى السيولة والتوقيت المناسب للطرح فى ظروف البورصة المصرية وازمة الدولار الحالية؟ هل تم تعديل المواد المعنية فى قانون تنظيم قطاع الاعمال العام ليسمح بطرحها فى البورصة؟ هل هناك جدول زمتى واضح لمراحل الطرح ولكل شركة مستهدفة على حدة؟ ما ذا لو فشلت الطروحات هل تم وضع خطة بديلة والاستفادة من خلخلة هذه الشركات لإعادة هكيلتها أم النية عازمة على الطرح وإعادته مرات ومرات حتى يتم؟ هل يجرى التنسيق جيدا بين الوزارات المعنية وهيئة الرقابة المالية والبورصة فى مراحل عملية الطرح؟ وهل تم التفكير فيما بعد الطرح حيث مزيد من الافصاح والحوكمة وإعادة الهيكلة والنظر فى رؤية واستراتيجية الشركات؟
ينبغى الاعداد جيدا لما قبل وخلال وما بعد الطرح.. فقد مضى عامان حتى على الاعلان عن طرح بعض شركات الدولة فى البورصة.. فماذا تم واين نحن مما تبقى مع الاخذ فى الاعتبار التساؤلات السابقة الذكر وشرح مراحل الطرح وعملية الاعداد..
وما نبغى إلا إصلاحا…