تحتاج الحكومات فى الأسواق الناشئة وشركات التطوير الدولى إلى إعادة التفكير فى فلسفة الاستثمار التى تتبناها والمجهودات التى تبذل فى سبيل ذلك.
ويحتاج الأمر إلى الاستجابة للتغيرات المرتبطة بتمويل الشركات والنظم البيئية وكذلك التحول الذى يتتبع ذلك من حيث خلق فرص عمل جديدة فى عصر التكنولوجيا الرقمية.
وفى الماضى، كان الأمر يعتمد على شراء الأصول أو الأراضى وتوظيف الموارد البشرية من أجل تعظيم العائدات على الأصول، أما اليوم فإن الاعتماد على توظيف الموارد البشرية من أجل إيجاد حلول لخلق منتجات جديدة وتحسين استخدام الأصول الموجودة يتزايد بشكل ملحوظ.
لقد رأينا جميعاً كيف أن الشركات الجديدة التى تعتمد على التكنولوجيا تنمو نمواً سريعاً مع قدرتها على التوسع دولياً وخلق الآلاف من فرص العمل وذلك دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة فى الأصول المادية.
وفى السنوات الماضية كانت أفضل الشركات من ناحية القيمة الشرائية هى الشركات التى تعمل فى مجال النفط والغاز أو الشركات التى تعمل فى قطاع البنوك، واليوم أفضل الشركات هى الشركات التى تعمل فى مجال التكنولوجيا.
ولم تعد الثورة الرقمية التى تم تطبيقها فى نماذج الأعمال والأداء وتقييم الشركات لها القدرة على إدارة أصولها المادية.
وطبقاً للشركات الجديدة فى ثلاثة اقتصادات من الدول العربية وهى مصر والسعودية والإمارات فإن هذه الشركات تعتمد على تشجيع الشباب وتسويق المشروعات الصغيرة نظراً لأهميتها الفعالة فى مستقبل تلك الشركات.
وبناءً على تمويلنا لهذه الشركات فنحن نؤمن بضرورة وجود خطوات يجب اتخاذها من قبل الحكومات من أجل تمكين تلك الشركات.
وتتمثل الأصول الحقيقية لشركات القمة (مثل شركة ألفابيت – جوجل وشركة فيس بوك) فى العنصر البشرى وهم موظفى الشركة والمنتجات الجديدة التى يبتكرونها.
وقد ألغى الاقتصاد المشترك حاجة الشركات لامتلاك أصول. فعلى سبيل المثال شركة “Uber” هى أكبر شركة تأجير سيارات فى العالم لا تمتلك سيارة واحدة، وإن أكبر شركة تأجير سكن فى العالم وهى شركة “Airbnb” لا تمتلك أى عقارات، وقد ساهمت هاتان الشركتان فى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لم يسبق لها مثيل.
وعلى الرغم من أن العديد من الحكومات ومؤسسات التطوير قد حددت الحاجة لترويج فكرة إنشاء قاعدة عريضة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة كأحد العناصر الأساسية لسياسة الاقتصاد الكلى (Macroeconomic Policy)، إلا أن كثير من هذه الشركات تعتمد بشكل كبير على برامج القروض المتخصصة.
وهنا تكمن النقطة الأساسية: إن الطرق التقليدية فى التمويل المعتمد على القروض لا تناسب الشركات ذات النمو المرتفع وذلك لأن الدين لا يتناسب مع تمويل هذه الشركات طالما أن معدل نمو هذه الشركات يفوق السجلات التاريخية التى تستند إليها البنوك عند إتخاذ قرارات الإقراض وهى نفسها الشركات التى تفتقر للأصول التى تتطلبها البنوك كضمانات.
أما المبادرات التقليدية فغالباً ما تناسب المشاريع المعتمدة على رأس المال والتى تتمحور حاجاتها التمويلية حول الأصول المادية أكثر من الشركات التكنولوجية ذات النمو المرتفع.
وعلاوة على ذلك، فإن برامج التطوير التقليدية، والتى غالباً ما تعتمد على التدريب والدعم المادى لتشجيع الموظفين على توسيع احتياجاتهم التوظيفية عادةً ما تخلق وظائف الاقتصاد القديم، والتى تصبح فيما بعد غير ذو قيمة.
هذا وقد أثبت تمويل إدارة المخاطر (أو رأس المال الاستثمارى) أهميته على مدار السنين من خلال الأفكار المبتكرة للشركات وتوجيهها لخلق فرص عمل، والتى تؤدى إلى تأثير مضاعف لبدء مشروعات إضافية.
فالشركة المصرية “ITWorx” هى إحدى الشركات التى تعكس هذا التغييربنجاح، فقد تأسست فى عام 1994 من قِبل أحد شركائى – وائل أمين – وهى شركة تختص بكتابة البرمجيات للشركات التى لديها قائمة طويلة من العملاء والتى قد شهدت نمواً وأداءً متميزياً وحضوراً قوياً إقليمياً ودولياً.
فهذه الأسباب هى التى دفعت بأول مرحلة تمويل عام 1999 من صندوق يرأسه شريك آخر لى – هانى السنباطى، ومن ثم مرحلة تمويل أخرى فى عام 2000 من مؤسسة التمويل الدولية، وتقوم الشركة حالياً بتوظيف أكثر من 1000 شخص، حيث توسعت فى حوالى 12 دولة.
وجدير بالذكر، أن نمو الشركة قد تخطاها، فقد أطلقت الشرارة الأولى لخلق جيل جديد من أصحاب المشاريع، الأمر الذى أدى إلى خلق المزيد من فرص العمل، حيث أن العمل فى شركة بمعدّل نمو ضخم كهذا قد رسخ الأسس الفنية وروح ريادة الأعمال، مما أدى الى تأسيس أكثر من 200 شركة جديدة من قِبل موظفى شركة ITWorx، هذا وتستمر دورة النمو الاقتصادى بشكل مضاعف حيث أن كل من هذه الشركات تجذب الاستثمارات الخاصة بها وتخلق فرص عمل وتشهد عدداً أكبر من الموظفين الذين يتركون العمل لتأسيس شركات جديدة.
حتى مع وجود هذه النجاحات، فإن صناعة رأس المال الاستثمارى نفسها تتغير بشكل سريع وملحوظ، فالارتفاع فى تمويل المشروعات الجديدة، والتى تساعد فى خلق استثمارات وتوفير التدريب لصغار المستثمرين يعمل على خلق خيارات تمويلية أكثر استجابة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
إن التمويل الذى يعتمد على العدالة فى شكله التقليدى يعمل كأداة ايجابية سريعة فى خلق فرص عملوالتى تقوم بدورها بإيجاد فرص عمل طويلة الأمد فى الشركات الجديدة ذات النمو المرتفع وكذلك خلق وظائف جديدة فى الاقتصاد الجديد.
قد حان الوقت الآن ليتنبه صنّاع السياسات فى الأسواق الجديدة وقادة مؤسسات التطويرالدولى إلى ما تم إثباته أنه الطريق الأنجح فى إنشاء نمو اقتصادى مستدام فى الاقتصاديات الجديدة ومعالجة مشاكل البطالة وإعادة توجيه الموارد المالية نحو مشاريع لها تأثير مستديم طويل الأمد. ومع برامج التحفيز الجديدة وتوسعها الإقليمى فإن مؤسسات التمويل الدولية هى إحدى المؤسسات التى تتكيف مع التغيرات.
فلنتخيل حجم النمو والفائدة الإجمالية للأسواق الناشئة إن وجدت آلاف من الشركات المشابهة لشركة ITWorx التى تخلق فرص العمل وتملأ السوق ببوادر نشوء الكثير من الشركات الجديدة، هذه النقلة النوعية ستلعب دوراً فى تغيير الاقتصاد العالمى.
كاتب المقال : مؤسس شركة سواري فينشرز واحد ابرز رواد الاعمال المصريين