هناك شعور عام يسود أجواء مؤتمر قمة الأطراف المعروف بقمة المناخ (COP22)، المنعقد الشهر الحالى بمراكش بالمملكة المغربية، وهذا الشعور هو رغبة فى تحويل تعهدات الأطراف المشاركة إلى أهداف قابلة للقياس. فى قمة باريس العام الماضى كان هناك هدف بتخفيض حرارة الكرة الأرضية بواقع درجتين مئويتين خلال عام، وكانت تلك هى المرة الأولى التى ينتهى خلالها المؤتمر بهدف واضح قابل للقياس، ورغم أنه هدف يراه الكثيرون متواضعاً بالنسبة للتحديات الكبرى التى تشكلها تغيرات المناخ، إلا أنه لم يتحقق كاملاً ولم تنخفض حرارة الأرض بأكثر من درجة ونصف الدرجة المئويتين، وهو إنجاز مهم فى رأيى على الرغم من تواضعه، لأنه يخرج بقمة المناخ من مجرد إطار لمكلمات سياسية واقتصادية وبيئية إلى ما هو أهم من ذلك، إلى آلية فاعلة لمواجهة الخطر الأكبر على مستقبل هذا الكوكب، والذى اعتادت الدول الكبرى تجاهله، أو فى القليل التعامل معه باعتباره ضرراً هامشياً محتملاً، مرتبطاً بمختلف الأنشطة الاقتصادية! وبالتالى فإدارة هذا الضرر المحتمل يتم باستخدام أدوات متواضعة الأثر، تهدف أولاً إلى عدم التأثير على نمط الإنتاج، ومن ثم نمط الاستهلاك السائد عالمياً.
أهداف الاستدامة والتنمية المستدامة التى تراوحت بين أهداف بيئية وأخرى مجتمعية وثالثة تتعلّق بالحوكمة فى اتصالها بالاقتصاد، لم تعد مجرّد شعارات يتشدّق بها خبراء المؤسسات الدولية وبنوك الاستثمار الكبرى من أجل الحصول على امتيازات ضريبية وتسهيلات تمويلية.. فقد بات من المؤكد أن استمرار الوضع الراهن لن يكون ممكناً، وأن الحفاظ على مستويات معيشة آمنة وعلى اقتصاد مستقر، بل وعلى كوكب صالح للحياة، لن يتحقق إلا ببذل جهود مشتركة على مختلف الأصعدة لتحقيق أهداف محددة بعناية بالغة وقابلة للقياس الدقيق.
الأمر الآخر الذى لاحظته شخصياً على هامش فعّاليات المؤتمر وبوصفى مواطناً مصرياً، هو الاهتمام المتزايد بالخطوة التى أقدمت عليها مصر فى إطار برنامج طموح لإصلاح الاختلالات الهيكلية بالاقتصاد المصرى فى ظرف ثلاث سنوات. وقد لمست حرص مؤسسات التمويل وبنوك الاستثمار على المسارعة لاغتنام تلك النافذة المشرعة فى مصر من أجل تحقيق عائدات كبيرة على الاستثمارات التى تجد البيئة مهيئة فى سوق الصرف وفى منظومة الاستثمار التى باتت تتفاعل مع مطالب المستثمرين وفق آلية مركزية لكنها أكثر مرونة، وتتمثل فى قرارات حاسمة للمجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية. الحضور المصرى فى القمة كان مميزاً، وملفات الاستدامة المتوافقة مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة والتى ولدت من رحم أهداف الاستدامة السبعة عشر الناتجة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى 2015، كان لها أثر غاية فى الإيجابية خلال فعاليات القمة وتحديداً فى ورش العمل التى عقدت على هامش المؤتمر.
خبير الاقتصاد والتمويل وإدارة المخاطر