تفكيك النظام السرى والجماعة شرط التصالح مع «الإخوان المسلمين»
تمسك الحكومة بسعر وهمى للدولار يزيد قيمته فى السوق الموازى
الوفد فوت على نفسه فرصة أن يكون نواة لائتلاف مدنى واسع
تدخل الجيش فى العمل المدنى لابد أن يكون مؤقتا
ربما يظهر مرشح رئاسى يحظى بتأييد قطاع واسع من الرأى العام الفترة المقبلة
الإدارة المالية الحالية للحزب أهدرت 90 مليون جنيه.. والوفد أصبح بلا وفديين
محمود أباظة، هو أحد أبرز مؤيدى تيار إصلاح الوفد، إذ تولى رئاسة الحزب مدة 4 سنوات بين عامى 2006 و2010.
وفى منزل العائلة الأباظية الذى يتمدد على النيل بحى الزمالك الهادئ، تحدث محمود أباظة بهدوئه المعتاد، ليشرح لـ«البورصة» تحليله للمشهد السياسى الراهن، ورؤيته المستقبلية للعمل السياسى فى مصر، بعد مرور 5 سنوات على ثورة يناير.
قال أباظة، إن المشهد السياسى والوضع المصرى بشكل عام شهد هزة عنيفة نتيجة إسقاط نظامين عتيقين عبر ثورتين.
فالنظام الأول سقط فى 25 يناير بعد ان استمر أكثر من 60 عاماً، والآخر سقط فى 30 يونيو بعد ادعاءات لمدة 80 عاماً بأنه البديل الجيد للنظام السابق.
وأوضح أباظة أن عدم نمو التجربة الحزبية نمواً طبيعيًا خلال الثلاثين عاماً الماضية أفضى إلى حالة الركود والتخبط السياسى الذى تعيشه مصر فى الوقت الراهن، وغياب الرؤية والهدف الحقيقى دون وجود بوصلة لتحديد الاتجاهات.
وأضاف: «الأحزاب القديمة مأزومة، والأحزاب الجديدة لم تُبنى بعد.. ولذلك تعانى الكثير من المشاكل والاختلافات، والأهم من ذلك هو عدم وجود حزب حاكم وبالتالى لا توجد أحزاب معارضة، فلا يوجد انقسام بين أغلبية ومعارضة ونعيش حالة سيولة سياسية».
ونفى أباظة تعمد النظام السياسى الحاكم غلق الأبواب والقنوات الشرعية أمام الأحزاب لممارسة العمل السياسى الفترة الأخيرة، موضحاً أن حالة الزخم السياسى التى تعيشها البلاد جعلت الجميع ينفر من الحديث فى السياسة.
ولخص رأيه فى ملف المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين فى موقف الرسول «ص» عند فتحه لمكة قائلاً: «الرسول عندما فتح مكة قال قولته المشهورة أذهبوا فانتم الطلقاء، لم يقلها إلا بعد أن حطم الأصنام وطهر الكعبة منها».
وأضاف: «ما أقصده هنا أن المصالحة ممكنة لكن بعد أن يتم تفكيك جماعة الإخوان المسلمين، وتفكيك ذراعها السياسية، والجهادية، والاجتماعية، ويتلاشى من الوجود السياسى ما يمكن وصفه بجماعة أو تنظيم الإخوان».
وأوضح أن الدولة المصرية ترفض وجود تنظيم موازى لها بداخلها، له مصادر تمويل خارجية، وحركة سرية، وأطماع سياسية ضد مبادئ الديمقراطية الحديثة، وحرية تداول السلطة.
وأكد أباظة أن استمرار الإخوان فى السلطة أكثر من عام كان سيقضى على فكرة الدولة المدنية الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة، لا القائمة على فكرة الخلافة أو العرق أو الدين.
وأوضح أن الدستور الحالى أحدث توازناً فى توزيع السلطات بين رئيس الجمهورية، والحكومة، والبرلمان، لكن مازال التوازن قيد النصوص ولم يدخل حيز التنفيذ على أرض الواقع.
وأضاف: «مازلنا نعانى من مشكلة استمرارية التركز الشديد للسلطة فى يد رئيس الجمهورية منذ عقود طويلة، رغم أن نصوص الدستور تنص على غير ذلك، لكن الواقع يؤكد أن مركزية السلطة هى السمة الأبرز».
وتساءل أباظة عن جدوى تشكيل تحالفات أو قوائم انتخابية فى حين يتنافر أعضاء التحالف أو الائتلاف المشكل قبل الانتخابات تحت قبة البرلمان، وجلوس كل عضو مع المجموعة الحزبية التى ينتمى لها دونما التكتل تحت اسم الائتلاف أو التحالف التى خاض الانتخابات من خلاله.
وعن تدخل الجيش فى الحياة المدنية الفترة الأخيرة بإسناد بعض الأعمال الإنشائية والاقتصادية إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، قال أباظة إن الطبيعة تكره الفراغ وكذا السياسية، فعندما تتعطل المؤسسات أو تكون غير مستعدة لتنفيذ أعمالها لابد من اللجوء إلى المؤسسة المنظمة لقدرتها على تنفيذ المصالح المعطلة حتى لو كانت تنقصها الخبرة فى بعض الأمور الفنية، لكن لابد أن يكون وضعاً مؤقتاً وليس دائماً.
وأضاف: «نحن نعيش فترة مخاطر، وعلينا تحمل بعض الشذوذ والاستثناءات التى تطرأ على مختلف الأصعدة، شريطة توافر الوعى والإدراك أن الوضع الراهن ليس وضعاً صحيحاً للبناء عليه، وضرورة معالجة الأمور وتصحيح الأوضاع».
وأوضح أن الفترات بعد الثورات، تاريخياً، تتقلص فيها الحريات العامة، لموازنة المجتمع بين الحرية، فالمجتمعات فيما بعد الثورات ترى ضرورة العودة للنظام لتحقيق الاستقرار والتنمية.
وأشار إلى أن قانون التظاهر به تضييق على حق دستورى لجميع أفراد الشعب، لكن ما حدث هو الإفراط فى استخدام حق التظاهر من قبل البعض، مما ولد عند قطاع عريض بالرأى العام نفوراً من التظاهر واتهام الدولة بالضعف.
وحول إمكانية توافر بديل مدنى لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة قال إنه يرفض التفرقة بين أن يكون الرئيس مدنى أو عسكرى، فـ«ونستون تشرشل» كان ذو خلفية عسكرية، فى حين أن الرئيس مرسى كان مدنياً، فالمعيار هو مدى توازن النظام السياسى والتزامه بمبادئ الدستور، وليست خلفية الرئيس.
وأضاف أن المشهد الراهن يفتقد للوجوه الجماهيرية والشعبية القادرة على خوض الانتخابات الرئاسية والفوز بها حتى الآن، وربما يظهر من يحظى بتأييد قطاع واسع من الرأى العام الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن نتائج الانتخابات حتى عام 2010 كانت تعبر عن إرادة من يجريها، لا تعبر عن إرادة الناخبين من الشعب المصرى، سواء كانت انتخابات برلمانية أو رئاسية أو حتى محليات.
وانتقد أباظة بعض السياسات الاقتصادية الحالية موضحاً أن الحكومة أخطأت فى التعامل مع أزمة الدولار لإبقائها على سعر الجنيه بغير قيمته الحقيقية فى السوق، ولم تستفد من التجارب السابقة فى هذا الصدد، مما أدى لإرباك السوق المحلى الفترة الأخيرة.
وأوضح أن تمسك الحكومة بسعر وهمى للدولار يزيد من قيمته فى السوق الموازى، ويضعف قدراتها فى التصدى لهذه الزيادات والسيطرة على السوق السوداء.
وأشار إلى أن تذبذب سعر الصرف يقلل فرص ضخ استثمارات أجنبية مباشرة، وتخارج العديد من المستثمرين الموجودين بالفعل فى السوق لعدم قدرتهم على تلبية استيراد مدخلات الإنتاج لقلة المعروض من الدولار.
وقال إن قانون الخدمة المدنية جيد فى مجمله، والجهاز الإدارى للدولة يحتاج إلى إعادة هيكلة دقيقة، وتنظيم العمل بالمؤسسات الحكومية للقضاء على مشكلة الترهل الذى أصابها خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن أزمة قانون القيمة المضافة تكمن فى توقيته وليس مواده، فارتفاع الأسعار، وندرة العملة الأجنبية، وحالة الاختناق الاقتصادى الحالية لا تسمح بتطبيقه فى الوقت الراهن.
وأضاف: «أعلم أن على الحكومة السير فى طريق الإصلاحات التى تعهدت بها، لكن كان عليها تطبيق قانون القيمة المضافة فى وقت قبل هذا وليس الآن، أو ربما تأجيله فترة محددة لحين حدوث انفراجة، لكن للأسف لا نجيد إدارة الأزمات والحكومة ليس لديها فقه الأولويات».
وأشار إلى أن عدم نجاح المؤتمر الاقتصادى المنعقد فى شرم الشيخ رغم مرور عام ونصف العام على انعقاده أكبر دليل على افتقاد الحكومة لفقه الأولويات، إذ كان من المفترض اعطاء الأولوية فى تنفيذ اصلاحات تشريعية واجرائية تساعد على نجاح أهدف المؤتمر.
وأضاف: «أعتقد أن الحل للخروج من الأزمة الراهنة يأتى بحلول سياسية وليست حلولا فنية، فالحلول ربما تكون معروفة لكن نفتقد طريقة تطبيقها لغياب قنوات الحوار الطبيعية بين الحاكم والمحكوم، فالحلول سياسية لقدرة السياسة على وضع وترتيب الأولويات.
وطالب بإعادة النظر فى التشريعات الإقتصادية الحالية، وصياغة تشريعات جديدة تسمح وتشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والعمل على تطبيق سياسية الشباك الواحد.
وانتقل أباظة، للحديث عن حزب الوفد وبعض مشكلاته الداخلية، واصفاً الارتباك الذى يسيطر على أجواء الحزب الداخلية الفترة الماضية بكونه جزء من الارتباك الذى يعيشه المشهد السياسى بشكل عام.
وأضاف: “لدى 3 ملاحظات مهمة، الأولى تتعلق بالأسلوب الكارثى للإدارة المالية للحزب، والتى تسببت فى إهدار 90 مليون جنيه رصيد الحزب البنكى، فضلاً عن 4 ملايين جنيه إيرادات جريدة الوفد سنوياً، بل وتكبدت الجريدة خسائر بلغت 20 مليون جنيه.
والملاحظة الثانية تتمثل فى اعتراضى على الخط السياسى للحزب لعدم وضوحه وثبات موقفه، وشهد العديد من التذبذبات والاضطرابات خلال الفترة الماضية.
وأكد أن الحزب فقد رصيده السياسى والمالى بعد أن كان حزب الاستقلال الوطنى والحريات على مدى تاريخه، لعدم وضوح رؤية وموقف الحزب بشكل دقيق، فضلاً عن الخلافات الداخلية وشق الصف، وارتفاع صوت الخلاف على صوت التوافق.
وأوضح أن أحد مبادئ وثوابت عمل حزب الوفد، مقولة مكرم عبيد وهى “أن الوحدة الوطنية لا تلتئم فى مجتمع يهمل فئاته الأضعف والأفقر”.
وأشار أباظة إلى هجرة العديد من كوادر وأعضاء الوفد من عضويته خلال الفترة الماضية حتى أصبح الوفد بلا وفديين، والوفديين بلا حزب، محملاً إدارة الحزب المسئولية.
وأكد أن الوفد فوت على نفسه فرصة أن يكون نواة لائتلاف مدنى واسع خلال فترة التحول السياسى التى شهدتها البلاد ما بعد ثورة 25 يناير، ولم يستفد من زخم الأحداث إلا بزيادة الخلاف فى صفوفه الداخلية.
وأوضح أن حزب الوفد لم يدرك أن الإخوان لن تكون معه إلا فى المعارضة فقط، لكن حين تفتح لهم أبواب الحكم لن يلتفتوا لأحد، وخير دليل على ذلك هو “اتفاق فيرمونت”، فهذه طبيعة عمل أى تنظيم سرى فى العالم.