عصر ما بعد “كاسترو”.. الطريق مفتوح أمام التحول الاقتصادى


الدولة العميقة عقبة أمام طموحات راؤول كاسترو فى التغيير
كان البيان مقتضباً، لكن وقعه كان كبيراً. ففى وقت متأخر من مساء يوم 25 نوفمبر فى العاصمة الكوبية (هافانا)، أعلن الرئيس الكوبى راؤول كاسترو وفاة شقيقه الأكبر فيدل، القائد العام للثورة الكوبية.

واستيقظ الكوبيون على الحياة من دون الرجل الذى سيطر عليهم وعلى بلادهم لأكثر من نصف قرن. وفى ميامى حيث معقل المنفيين المعادين لـ«كاسترو»، خرج الناس فى شوارع الحى المعروف باسم هافانا الصغرى؛ للاحتفال وقد فعلوا ذلك عدة مرات من قبل على مدى العقد الماضى إثر شائعات تحدثت عن وفاته ولكنها هذه المرة كانت حقيقية.
وتقرر تأبين «كاسترو» بتسعة أيام من الحداد الرسمى فى كوبا، فيما يعترف العالم بالإنجاز الاستثنائى له فى تحويل بلده الصغير إلى قوة عظمى فى تحديها للولايات المتحدة لعقود طويلة. ويأمل كثيرون فى أن الشيوعية الكوبية سوف تموت مع زعيم ثورتها. وفى مقابل جميع إنجازاته فى مجال الرعاية الصحية والتعليم، فإن الجزيرة الفقيرة بشكل مدقع عاشت حرمان أجيال من الكوبيين من الحريات والفرص.
وأشار تقرير لمجلة الإيكونوميست إلى أنه منذ تنحى فيدل عن الرئاسة عندما اشتد عليه مرضه فى عام 2006، بدأ شقيقه راؤول بحذر إصلاح الاقتصاد المتصلب للجزيرة جراء التخطيط المركزي.
وبالفعل يعمل أكثر من 500 ألف كوبى الآن فى مشاريع خاصة، وقد انخفضت حصة الشركات المملوكة للدولة فى الناتج الاقتصادى إلى 71%. لكن وتيرة الإصلاح لم تكن أبداً سريعة بل تباطأت العامين الماضيين.
ويعود ذلك جزئياً إلى أن راؤول كان عليه أن يتعامل مع المعارضة الداخلية لموافقته الجريئة على مبادرة نظيره الأمريكى باراك أوباما لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلديهما بعد نصف قرن من القطيعة.
من مقر تقاعده فى الضاحية الغربية لهافانا، قضى فيدل العقد الماضى، وهو يكبح جماح الإصلاح على عكس راؤول الذى قال إنه يكره «السوق الاشتراكية» المشابه المأخوذ عن الصين وفيتنام.

ولم يخف الزعيم الراحل نفوره من التقارب مع الولايات المتحدة أثناء زيارة أوباما لكوبا فى شهر مارس. وفى آخر ظهور له فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعى الكوبى فى أبريل، ألمح فيدل إلى أنه سوف يموت قريباً، لكنه أصر على أن أفكار الشيوعيين الكوبيين سوف تستمر من بعده.
وفيما كان الرئيس الراحل زعيماً رمزياً بالنسبة للكثيرين فى الحزب وأجهزة الدولة العميقة البيروقراطية، لكنهم مرعوبون، أيضاً، من أن التغيير سوف يسلبهم أمنهم الوظيفي، والإكراميات والامتيازات.
وبالتالى فإن رحيل فيدل يزيل العقبة الأكبر أمام التغيير فى كوبا، لكنه جاء فى لحظة من عدم اليقين كبير للجزيرة، فلعشرات السنيين قام اقتصادها على دعم فنزويلا، وذلك أساساً فى شكل بترول مجانى تقريباً، ومع انهيار الاقتصاد الفنزويلي، تم قطع هذه المساعدات وقد نما الاقتصاد الكوبى بنسبة 1% فقط فى النصف الأول من هذا العام بأقل من نصف التوقعات الرسمية. لكن هذه الأزمة من المفترض أن تقوى الرغبة فى تسريع الإصلاح.
ومن الأمور المثيرة لقلق قادة الإصلاح انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فمن رئيس مؤيد لإنهاء الحصار الاقتصادى المفروض على كوبا تتحول الدفة إلى رئيس أعلن، فى الأسابيع الأخيرة من حملته الانتخابية، التراجع عن الانفتاح الدبلوماسى على كوبا. ومع مرور الوقت ستظهر حقيقة رغبة ترامب فى العودة إلى الوجه القبيح مرة أخرى لسياسة بلاده، ويبقى أن ننتظر كما تقول الإيكونوميست. ومن علامات القلق أن راؤول أطلق مع إعلان فوز ترامب خمسة أيام من التدريبات العسكرية.
مما لا شك فيه أن وفاة الزعيم الروحى لثورة كوبا هى أهم معلم على طريق التحول البطىء فى عصر ما بعد «كاسترو»، وربما فى مرحلة ما بعد الشيوعية فى كوبا. وقال راؤول، إنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للبلاد فى عام 2018، على الرغم من أنه قد يبقى السكرتير الأول للحزب الشيوعى لمدة ثلاث سنوات أخرى. ويعمل حالياً على إعداد ميجيل دياز، وزير التعليم السابق البالغ من العمر 56 عاماً خلفاً له.

ومن غير الواضح، كيف سيكون دور القوات المسلحة، التى قادها لفترة طويلة راؤول، الذى ستلعبه فى المرحلة الانتقالية.
وبالنسبة للرئيس الحالى فإن نيته المعلنة هى أن كوبا يجب أن تبقى دولة الحزب الواحد، حتى فى الوقت الذى تتحرك فيه نحو اقتصاد مختلط. لكن رحيل فيدل من المشهد قد يطلق العنان لنقاش أكثر حرية فى كوبا حول مستقبل الجزيرة.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2016/12/01/937673