انطلاقة ناجحة لـ«هافانا» على طريق السوق المفتوحة
500 ألف يعملون فى مشاريعهم الخاصة
لم يضيع راؤول كاسترو، الشقيق الأصغر للزعيم الكوبى الراحل فيدل كاسترو، الوقت فى شرح رؤيته المختلفة للمجتمع الكوبى، والتى بدأ تطبيقها فور تسلمه السلطة عملياً 2006، ودعمها مع توليه منصب الرئيس رسمياً فى 2008.
ويعد الذوبان التاريخى لجليد العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا جزءاً من هذا النهج الجديد على صعيد السياسة الخارجية، لكن كانت هناك تغييرات كبيرة داخلياً أيضاً.
فعلى الرغم من أن الحزب الشيوعى الكوبى يحافظ على قبضته المحكمة حول التجارة والعمل ووسائل الإنتاج، فإنَّ جيلاً جديداً من الشركات الصغيرة ظهر متحدياً سيطرة الدولة على الاقتصاد لحسابها الخاص.
وكما كان متوقعاً، واجهت ثورة ريادة الأعمال فى آخر معاقل الشيوعية المتبقية فى العالم عقبات، بحسب تقرير صحيفة ديلى تليجراف البريطانية.
وفى حين تشاهد المتاجر الحكومة تخدم بلامبالاة طوابير من السكان فى جو شديد الحرارة، من السهل أيضاً الآن أن ترى أصحاب المشاريع الصغيرة مثل متجر هوكينج يبيعون كل شيء من الفواكه والخضراوات الطازجة والسلع المصنوعة يدوياً لأدوات حلاقة الشعر وتجميل الأظافر فى بلد لا يزال الدخول إلى الإنترنت فيه محدوداً للغاية.
هذا النمو فى قطاع ريادة الأعمال فى كوبا لم يأت بطبيعة الحال عن طريق الصدفة، ففى الاقتصاد المخطط مركزياً، لا يمكن لهذا التغيير أن يحدث دون موافقة من السلطات الأعلى. وتم تمرير حزمة إصلاحات كبرى وتوسيع دور الشركات الصغيرة فى الاقتصاد الكوبى فى 2011، فيما يعد منعطفاً حاداً بعيداً عن عقود من ازدراء وقمع نشاط القطاع الخاص.
انطفأت أنوار المؤسسات الخاصة خلال بضع سنوات من الثورة، عندما وصف كاسترو رجال الأعمال بطبقة من الطفيليين الذين يزدهرون من عمل الآخرين. ومن تلك النقطة فصاعداً، بسطت الدولة سيطرتها على الاقتصاد بأكمله، وألغت الملكية الخاصة والتجارة الخاصة، وتحديد ما يمكن إنتاجه، ومن الذى يحصل على الوظائف.
على مدى عقود أبقى فيدل كاسترو نظامه واقفاً على قدميه من خلال الدعم الاقتصادى السخى من قبل الاتحاد السوفييتي. وعندما جفت بشكل طبيعى مع انهياره فى عام 1991، صعدت فنزويلا بقيادة هوجو شافيز تدريجياً لتلعب دوراً مماثلاً. وتعيش فنزويلا خضم أزمة حادة، وبالتالى فإصلاحات كوبا الليبرالية هى محاولة لإخراج الاقتصاد من الركود عبر إطلاق العنان بقوة للمشاريع الخاصة.
وتعيد هذه التطورات النقاش إلى دور واقعية راؤول كاسترو، فقد تم سن تشريع يجيز العمل الحر فى عدة مئات من المهن، وحدد طرق توظيف وتسريح العاملين فيها، ونظم التجارة بين شركات الدولة والشركات الخاصة الصغيرة.
وقد سمح للقطاع الخاص بالتجارة فى السيارات والمنازل، وبدأ يخفف العبء الضريبى على رجال الأعمال. وأدت الإصلاحات إلى قفزة هائلة فى عدد الكوبيين العاملين لحسابهم الخاص، من 148 ألفاً فى عام 2009 إلى 500 ألف فى أواخر 2015.
ومن أجل تعزيز هذه الثورة الكوبية الحديثة، فإن الحزب الحاكم بحاجة إلى التمسك بالإصلاحات التى شرع فى تنفيذها، والعمل بجد على إقناع كل من الكوبيين والزوار غير الكوبيين أنه ملتزم بها على المدى الطويل.
وتمتلك الحكومة سجلاً رديئاً من التراجع عن إصلاحاتها، كما حدث فى التسعينيات، فبعد طفرة تسهيل العمل الحر أوقفت الدولة تجديد تراخيص للشركات الصغيرة، وتراجعت عن الخطاب الإيجابى المشجع لها.
ومن المتوقع بعد رحيل فيدل، أن يتم تعميق الإصلاحات الحالية، وربما حتى منح الشركات صوتاً فى تشكيل السياسة الاقتصادية.
ومع اعتزام رؤول (85 سنة) التقاعد فى 2018، فإن خليفته ميجيل دياز- كانل من المرجح أن يواصل المسار الذى حدده زعيم الحزب الحاكم الحالي.