خالد سمير يكتب: الخبرة والتقادم والمحاكاة


كانت الخبرات وما زالت فى عالمنا الثالث مرتبطة بالزمن وأن مفهوم الخبرات وحتى الآن وللأسف مرتبط بالسن، بمعنى أن التقادم obsolescence، وهو التعبير المعبر لفقدان الشىء قيمته لدى المحاسبين والماليين، يستخدمة العالم الثالث إجلالآ لأشخاص تقادموا فى السن فأصبح لديهم الخبرة المتراكمة التى تؤهلهم لاتخاذ القرار الصحيح.
التطور المتسارع فى المعرفة والزيادة المطردة فى الخبرات الإنسانية والتحديات غير المحددة وغير المتوقعة، أدى الى تطور هائل ومتسارع فى علوم المحاكاة simulation.
وحيث إن أساليب التعليم والتطويرالمهنى المستمر الحالية لم تعد قادرة على مواكبة الفلسفات التربوية الحديثة المؤهلة لمواكبة العصر فأصبح من الضرورى اللجوء لمبادئ اختيار مختلفة ومفهوم مختلف لاختيار القادة وأصحاب الخبرات.
المحاكاة أدت إلى تطوير هائل لجوانب الأداء والإدراك والوجدان معاً وبشكل متكامل ومتوازن ويجعل المتدرب يكتسب خبرات ضخمة فى وقت قياسى بالمقارنة بزميله الذى يكبره بعشرات السنين.
المحاكاة تحقق المعادلة الصعبة وهى التوازن بين القدرات الشبابية المتمثلة فى الإبداع والمثابرة وبين الزمن المتطلب لتحقيق الجودة والتراكم المعرفى المرتبط بعدد مرات إعادتها وتصحيح الأخطاء دون مخاطر لكل الأطراف.
مثلآ فى مجال رعاية المرضى فإن التعلم القائم على المحاكاة يوفر ميزة كبيرة لرعاية المرضى من خلال الحد من أخطاء إدارة الدواء مقارنة بالتعليم باستخدام أسلوب التجربة السريرية وتراكم المعرفة بالطريقة المعتادة.
تطور المعرفة أصاب أصحاب الخبرة فى مقتل، فتراكم الخبرات كان يعتمد بصور أساسية على مفهوم أن الزمن اللازم لاكتساب الخبرات يتناسب بشكل كبير جدا مع زمن تطوير المعرفة، ثم حدث تغيير فى هذه المعادلة فأصبحت العلوم الأساسية تتطور بمعدلات سريعة جدا و تصل فى بعض منها الى تغيير جوهرى كل خمس سنوات، وبالتالى فإن كل الخبرات المتراكمة المحققة لهذا العلوم لم يعد لها احتياجا وفقدت قيمتها بل إننى أستطيع القول إن فكر التقادم بمعناه المحاسبى أصبح ينطبق بالفعل على الخبرة، طبيعى جدا أن ترتبط الخبرة بالمعرفة الحالية وبالاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية.
يظهر ذلك بوضوح فى مجالات متنوعة منها على سبيل المثال الخبرات فى مجال الجراحات باستخدام المناظير الجراحية الحديثة، حيث تجرى الجراحة من خلال فتحات تقاس بأقل من 3 سنتيمترات، فالجراحات بالسابق كانت تقوم على فتحة تصل إلى طول وعرض البطن، وكان عمر الجراح هو أكبر عامل مؤثر فى ضمان جودة النتائج ولكن ومع ظهور التكنولوجيا الحديثة وأدوات المحاكاة المتطورة، ظهر فجأة الطبيب الشاب الذى لا يتجاوز عمرة 30 سنة، والذى يقوم بعملية تعليم أصحاب الخبرات الأكبر سنا منه، لأنهم ببساطة تقادمت خبراتهم بحيث أصبحت مما لا لزوم لها أو فقدت جزءا كبيرا من قيمتها الفعلية.
المحاكاة مع الذكاء الأصطناعى Artificial Intelligence حققت نوعا جديدا من المعرفة والخبرات الفوريةو وحققت أيضا القدرة على متابعة تطور الأداء ومدى تقدمه خلال العملية التعليمية، وهو شىء لم يكن أساسا يحدث، وكان يحتاج إلى سنوات وسنوات لتحقيقه.
قابلت شخصيآ أحد شباب أطباء التخدير من كوريا الجنوبية وأخبرنى عن عدد الحالات التى قام بتخديرها وخبراته المكتسبة فى مختلف المجالات وأصابنى الذهول من عدد الحالات التى اكتسبها من خلال خبراته الواسعة «ثلاث سنوات من العمل» مقابل 26 سنة من خبرتى بمصر، ثم قام بإيضاح التطور الهائل بأجهزة المحاكاة المشابهة للمرضى والتى يستخدمونها للتدريب.
أعتقد أننا يجب أن نعترف بأن علينا أن نعتمد على نوع جديد من الخبرات بنفس وتيرة التطور الحديثة وإلا سنصاب جميعا بالتقادم وسينظر قريبا جدآ لمن يكتب سيرته الذاتية معتمدآ على سنوات الخبرة ذات العشرين عامآ نظرة الشفقة و التعجب و سيتم أختيار الأشخاص أصحاب البحوث المنشورة حديثآ المعبرة عن الأحتياجات الأنسانية الأنية و المستقبلية، سيتم تفضيل الأشخاص الذين أثروا معرفتهم وخبراتهم وتدريبهم بأستخدام الجيل الذكى من أدوات التدريب الحديثة.

أنتبهوا…نحن بعصر تقادم المعرفة الشخصية
 

 

 

الدكتور خالد سمير
العضو المنتدب
شركة تشاور للاستشارات المالية والإدارية

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: التعليم

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2016/12/04/939112