
يمكن أن يفهم التضخم على أنه قدرة تدميرية للقوى الشرائية للعملة ولمكافحة هذه هذا الخطر فإن المستثمرين والمصارف المركزية والعائلات تلجأ إلى خيار تاريخى وهو تحويل جزء من ثرواتها الى ذهب. وهو ما أطلق عليه المحلل الأمريكى فرانك هولمز «تجارة الخوف».
وتواصل تجارة الخوف سيطرتها على المنطق الاستراتيجى للقرارات الاستثمارية فمنذ مفاجأة فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب بسباق الرئاسة الامريكى انخفضت الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكى القوى مما دفع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى حث الشركات والمواطنين والمؤسسات على تحويل جميع العملات الأجنبية إلى الليرة أو الذهب. وبفضل الالتزم بالدوافع الوطنية وتماسك البورصة التركية فى اسطنبول ساعدت هذه الخطوة على دعم العملة فى مواجهة خطر الانهيار.
وفى فنزويلا التى تعانى من مشكلات تضخم وخيمة لاسباب داخلية لا علاقة بها بحركة الاقتصاد العالمى بالاساس حيث أدى تطبيق الفكر الاشتراكى فى ادارة البلاد الى وضعها خارج نطاق السيطرة ووصلت إلى حالة متطرفة من التضخم الناجم عن الطلب الشديد وفق تفسير الاقتصاديين حيث يفوق حجم العرض بكثير.
قال تقرير لمجلة فوربس الأمريكية إنه فى الواقع تفاقمت الازمة الغذائية فى البلد القابع فى أمريكا الجنوبية بالاضافة الى أزمة الدواء مع انهيار نظام الرئيس الراحل هوجو شافيز الاستبدادى وانهيار أسعار البترول المصدر الرئيسى للدخل له.
وفقد البوليفار عملة فنزويلا المحلية معظم قيمته فأصبح بلا قيمة تقريبا حتى إن العديد من أصحاب المحال التجارية لا يزعج نفسه لكى يعد الأوراق المالية كما ذكرت وكالة بلومبرج فى تقرير سابق لها فبدلاً من ذلك فإنهم يزنون حرفياً البوليفار بالميزان فلو مثلا وزن ورقة البوليفار الواحد جرام فإن الكيلو يعنى ألف بوليفار.
قال مالك أحد المخابز مازحاً، إنه يشعر أنه زعيم مافيا تهريب المخدرات «بابلو إسكوبار» الكولومبى سيئ السمعة، بينما ينظر أكياس القمامة المتخمة بالأوراق المالية التى لا قيمة لها. ودمر التضخم البوليفار، ما دفع فنزويلا الى بيع 25% من احتياطياتها من الذهب فى النصف الأول من عام 2016 فقط لتوفير مدفوعات ديونها. وتوقفت الحيازات الرسمية فى فنزويلا عند مستوى قياسى منخفض بلغ 7.5 مليار دولار.
وفى الولايات المتحدة ليس من المرجح أن تشهد خروج التضخم عن السيطرة فى أى وقت قريب، كما استمر الدولار فى الارتفاع بفضل الرهانات على مقترحات ترامب بخفض الضرائب، وتبسيط اللوائح التنظيمية والإنفاق على البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي. لكنَّ مضاربى السوق يستهينون بضغوط تضخمية فى الولايات المتحدة ستظهر من بداية العام المقبل لكنها تبقى تحت العين الساهرة لبنك الاحتياط الفيدرالى الأمريكي.
وفى تحليل سابق له لمحطة بلومبرج الاقتصادية، قال هولمز إن التضخم ليس بالتهديد البعيد عن الاقتصاد الأمريكى وهو ناجم إلى حد كبير عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، لكن الوضع هنا مختلف عن تركيا وفنزويلا ومع ذلك فإنه لا يزال بمثابة محفز إيجابى للذهب باعتباره ملاذاً آمناً لعام 2017.
وبالنظر إلى اتفاق ترامب مؤخراً مع شركة «كاريير» بالاحتفاظ بـ1100 وظيفة داخل الولايات المتحدة رغم انتقال مصنعها الأساسى من ولاية انديانا الى المكسيك فقد حصل على إشادة كبيرة لان هذه الوظائف كان من المفترض أن تذهب الى المكسيك ولكن من المهم أن يعترف الناس بتأثير هذه القرارات على أسعار المستهلكين.
ووصف المحلل الامريكى الصفقة بأنها نوع من إجراءات الحمائية التجارية التى يمكن أن ترفع معدلات التضخم إلى مستويات لم تحدث منذ أكثر من 30 عاماً. وأعلنت الشركة المصنعة لأجهزة تكييف الهواء ومقرها الأساسى فى إنديانا، بالفعل أنها من المرجح أن تضطر إلى رفع الأسعار بنحو 5% لتعويض ما قد تم الاحتفاظ به من الوظائف والأنشطة داخل الولاية بدلاً من الانتقال الكامل جنوبا عبر الحدود.
وفى حال استمرار مثل هذه الإجراءات فإنه يمكن التوقع أن التضخم فى الأسعار سوف ينتقل إلى جميع السلع الاستهلاكية، من الهواتف إلى الأحذية إذا تم جلب جميع المصانع فى الخارج أى الولايات المتحدة وهذا مجرد حقيقة الأمر بدون مبالغة.
ومن المؤكد أن الأسعار سترتفع خاصة إذا نجح ترامب فى فرض تعريفة بنسبة 35% على السلع الأمريكية التى تم تصنيعها فى الخارج ولكن تم استيرادها إلى الولايات المتحدة وببساطة سيتم تمرير التكلفة الإضافية من الشركة الى المستهلكين.
وما هو أكثر من ذلك فإن موقف ترامب حرج للغاية من اتفاقيات التجارة الحرة، حيث يهدد بتدميرها بعد إلقاء اللوم عليها وتحديداً فى فقدان الوظائف الأمريكية وتراجع معدلات نمو الأجور مع الاعتراف فى أنه محق إلى حد ما فى ذلك من جهة. لكن من جهة أخرى فإن اتفاقيات التجارة ساعدت أيضاً على كبح جماح التضخم على مدى العقود الثلاثة الماضية وهذا ما سمح بأسعار الشاشات المسطحة وأجهزة التليفزيون البلازما لتهبط بشكل كبير جداً وتصبح فى متناول معظم الأمريكيين.
ويعنى فرض رسوم جمركية إضافية عدم القدرة على استيراد السلع الأرخص زيادة الضغوط التضخمية التى يمكن أن تؤدى الى العودة الى سعر فائدة اساسية بالسالب وهو ما سينعكس على ارتفاع الذهب حيث يرتبط معه عكسيا.
وبحسب بحوث مؤسسة ماكوارى فإنه فى العام الماضى وقبل رفع سعر الفائدة خلال شهر ديسمبر تراجع الذهب نحو 18% من أعلى مستوياته منذ بداية العام حتى تاريخه. بعد ذلك صعد 26% فى النصف الأول من عام 2016. وسجل انخفاضاً خلال 2016 حتى نهاية نوفمبر بنحو 15% بالمقارنة بأعلى مستوياته خلال العام الجاري. وتوقعت المؤسسة البحثية للذهب، أن يصعد بطريقة مشابهة للعام الماضي.
وبعد تحليل التوقعات من عدد من وكالات ومؤسسات الفكر والرأى فإنها تقدر نسبة الدين الامريكى إلى الناتج المحلى الإجمالى بـ92% بحلول عام 2026.
ويمثل الدولار الأمريكى نحو 64% من احتياطيات النقد الأجنبى للبنوك المركزية العالمية ومع احتمال ارتفاع العجز فى الميزانية الأمريكية ومخاطر الدين نتيجة قوة الدولار فإن البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم يمكن أن تتجه إلى زيادة احتياطياتها من الذهب كما تقول كريدى سويس.
كما أن صناديق الاستثمار ستسعى خلال الفترة المقبلة إلى دعم موقفها مقابل مخاطر السوق بشراء مزيد من الذهب.
قال المؤسسة الأوروبية للأوراق المالية فى مذكرة للمستثمرين فى الأسبوع الماضى إن أهم فوائد تنويع الأصول تعود للذهب الذى يسجل تاريخياً أكثر انواع الأصول كفاءة فى الاحتفاظ بالقيمة فى مواجهة مخاطر تقلبات الأسواق.