بقلم: جيفرى فرانكل
يشهد حاليا عدد من البلدان حول العالم عمليات حظر تداول لفئات من العملة الوطنية أو ما يمكن تسميته إصلاحات العملة، حيث تقوم الحكومة بسحب الأوراق النقدية من فئة معينة من التداول ليحل محلها أوراق نقدية جديدة. وتلجأ الحكومات لهذا الخيار لمجموعة متنوعة من الأسباب فيما تسير بعض المبادرات الأخيرة على نحو أفضل من غيرها.
عندما تكون عملية سحب العملة دراماتيكية وعنيفة بشكل خاص فغالبا ما يكون ذلك معلما على طريق ارتفاع التضخم الجامح، ويبدو أن هذا هو الحال فى فنزويلا، حيث قرر الرئيس نيكولاس مادورو مؤخرا سحب فئة الـ100 بوليفار ليحل محلها أوراق جديدة مقومة فى حدود من 500 بوليفار إلى 20000 بوليفار.
ويصف الاقتصاديون نمط التضخم الجامح بأنه ارتفاع الأسعار شهريا بنسبة تتجاوز 50%، وهو ما قد يحدث فى فنزويلا فى الأشهر القليلة المقبلة. وكان هذا النوع من التضخم نادرا جدا هذا القرن بالمقارنة بما كان عليه الوضع فى القرن العشرين، وسوف تكون فنزويلا أول بلد يمر بهذه التجربة بعد زيمبابوى فى الفترة من 2008-2009.
وتمثل الحلقة الفنزويلية الحالية استمرارا لتقليد طويل من سوء إدارة العملة فى بلدان أمريكا اللاتينية ودول الاتحاد السوفييتى السابق، حيث كانت الحكومات السابقة تلجأ لسحب اوراق مالية من فئة محددة بهدف نقل الثروة من القطاع العام إلى أعضائها. وعلى كل حال، فإن المشكلة الأساسية هى أن الحكومة تكون فى ذلك الوقت غير قادرة على تمويل إنفاقها غير المستدام من خلال الضرائب أو الاقتراض، لذلك تلجأ إلى خفض قيمة العملة.
ويبدو ظاهريا أن الهدف من إصلاحات العملة الأخيرة للحكومة الفنزويلية هو كبح جماح التضخم الجامح. ولكن إصلاح الاقتصاد الكلى الأساسى يتطلب كبح جماح العجز المفرط فى الميزانية الأساسية، وبذلك لن تضطر للاستمرار فى طباعة النقود. فإذا لم تقم الحكومات بهذا الدور فإن كل خطة اصلاح للعملة جديدة تعد فقط مزيدا من الأدلة على سوء الإدارة.
لكن الحكومات أيضا أحيانا تستبدل اوراق العملة لأسباب فنية أكثر اعتدالا، مثل إزالة الأوراق التى لا تحظى بشعبية. أو إدخال اوراق محصنة ضد التزييف وقد يجرى استبدال العملات الوطنية تماما مثلا عندما يدخل بلد فى منطقة اليورو. أو ربما بهدف تكريم بطل قومى، فعلى سبيل المثال أعلن وزير الخزانة فى الولايات المتحدة جاك لو فى إبريل أن فئات 5 دولارات و10 دولارات و20 دولارا سيتم استبدالها بتصاميم جديدة تشمل سيدات وزعماء حقوق مدنية.
مع هذا النوع من سحب العملة يتطلب إعطاء المواطنين ما يكفى من الوقت لاستبدال الأوراق الجديدة بالقديمة، ويتطلب ايضا تخطيطا مستقبليا من السلطات النقدية، بحيث يكون لديها الكثير من العملة الجديدة متاحة. وفى هذه الحالات سيكون الاضطراب الاقتصادى والاجتماعى أقل ضررا.
وتخلت ليتوانيا عن عملتها المحلية «ليتاس» واعتمدت مكانها اليورو فى عام 2015، بنجاح جعل عملية الانتقال تمر بشكل سلس، كما فعلت ألمانيا وفرنسا مع اليورو فى عام 2002، وعلى نفس المنوال سارت جميع الدول الـ 19 التى انضمت إلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة.
ويتجسد نموذج ثالث من سحب الأوراق النقدية فى إعلان رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى فى 8 نوفمبر الماضى أن فئات 500 روبية و1000 روبية والتى تشكل 86% من السيولة المتداولة فى الهند سيتم إلغاء التعامل بها قانونيا ويجب استبدالها بالإصدار الحديث من الأوراق بحلول نهاية العام. ومنذ ذلك الحين اضطربت البلاد فالهنود كانوا ينتظرون طوابير طويلة فى البنوك ثم يكتشفون أن البنوك لم تتسلم ما يكفى من الاوراق النقدية الجديدة حتى وصل الأمر أن بعض الشركات باتت غير قادرة على العمل.
وكان القصد من وراء خطط استبدال فئات العملة الهندية هو استغلالها كإجراء صارم ضد الأنشطة غير المشروعة ولكن تنفيذها المفاجئ أسفر عن ارتفاع التكاليف بطريقة لا داعى لها أثرت على الاقتصاد الهندى. وكانت للولايات المتحدة دوافع مماثلة عندما قامت تدريجيا باستبدال العملة المقومة بسعر 500 دولار فما فوقها فى عام 1969. وهكذا، أيضا فعل البنك المركزى الأوروبى، عندما قرر بشكل يستحق الثناء فى مايو الماضى إلغاء الورقة النقدية فئة الـ 500 يورو.
وغالبا ما تستخدم الأوراق النقدية الكبيرة فى التهرب من الضرائب وتقديم الرشاوى وتهريب المخدرات، وحتى تمويل الأنشطة الإرهابية، ولذلك تلجأ الحكومات لتغيير هذه الأوراق لإحباط العمليات الإجرامية. وينادى خبراء بارزون حاليا مثل كينيث روجوف، ولارى سامرز وبيتر ساندز حكومة الولايات المتحدة بالتخلص حتى من فئة الـ 100 دولار أيضا.
ويتم هذا النوع من استبدال العملة عادة بشكل تدريجى وفى بعض الحالات تجرى الحكومة هذا الإجراء على مدى طويل جدا فببساطة تتوقف عن طباعة فئة الورقة المستهدفة لتعويض التالف منها لتنتهى من السوق من تلقاء نفسها.
وإذا كان زعماء يتحلون بالشجاعة ويريدون إبطال ورقة من فئة مرتفعة فى أقل من سنة واحدة فإنهم يوجهون أسئلة صعبة لكل من يحاول أن يستبدل كمية كبيرة منها فبدلا من مجرد جعل الأنشطة غير المشروعة فى المستقبل أكثر صعوبة، يمكن أيضا توجيه ضربة ضد الأشخاص الذين اختزنوا اوراقا نقدية من أنشطة غير مشروعة فى الماضى.
لكن فرض إطار زمنى قصير يتطلب إرادة سياسية لأنه ستقابله مقاومة من الناس العادية فالجميع يفضلون إعطاء ورقة نقدية جديدة من فئة الـ 100 دولار إلى احفادهم فى مناسبة خاصة ولذلك يعارض الأجداد والآباء إلغاءها.
ويعود القصور فى استراتيجية الهند لأنها كانت سريعة ومفاجئة دون داع، فضلا عن السرية وما هو أكثر من ذلك فإن حكومة مودى تستهدف سحب الفئات الصغيرة نسبيا والتى تبلغ قيمتها حوالى 7 دولارات و15 دولارا والتى يستخدمها الهنود فى جميع الأغراض. ومن الضروى السماح بمزيد من الوقت للطباعة وتوفير الإمدادات الكافية من الأوراق النقدية الجديدة ومساعدة الشركات على التحول الى أساليب الدفع غير النقدى مثل التحويلات النقدية الإلكترونية.
كما أنه مع عدم سرية القرارات سيعانى أولئك الناس الذين يكتنزون الفئات المستهدفة وحصولا عليها من أغراض غير مشروعة من الخسارة لأنهم سيكونون غير قادرين على إثبات مصدر عملتهم للبنوك. وايضا سيكون خيارهم الآخر هو بيع هذه الفئات بسعر مخفض فى السوق غير الرسمى. والأهم من ذلك هو السماح بمزيد من الوقت لكى تتجنب الحكومة الأضرار بالناس العاديين وتعطيل الاقتصاد.
ويعد أحد التفسيرات المحتملة لاستعجال مودى هو تطلعه الى انتخابات 2017 فى ولاية اوتار براديش، حيث يتردد أنه يسعى الى تعطيل الأحزاب السياسية المتنافسة التى تستخدم الأموال النقدية فى حملاتها الانتخابية. وإذا كان هذا صحيحا، فإن ذلك سيكون مبررا مثيرا للسخرية بدلا من مبرر أنه أمر جيد للحكومة. يمكن أن يكون القادة الغربيون أكثر جرأة عندما يتخلصون تدريجيا من فئات العملات الكبيرة كما يفعلون، لكن مودى كان جريئا جدا.
المصدر: بروجيكك سينديكيت
اعداد: ربيع البنا