لى اصدقاء كثر كانوا فيما مضى ينتمون الى الطبقة الوسطى كانوا يوفرون على الدولة اموال الدعم لأنهم كانوا قادرين على الحياة والإنفاق على تعليم اولادهم وعلاجهم وانتقالاتهم.. إلخ – لكن – تأتى قرارات الحكومة بما لا تشتهى الجماهير فتحول حالهم من فئات موفرة الى فئات فى حاجة الى نظرة مختلفة.
احدهم كان يعمل فى سوق الدواء يقوم باستيراد المستحضرات الدوائية للسوق المصرى ووضع فى شركته كل مدخراته ومدخرات شقيقته وشقيق زوجته الآن يقوم بغلق ابواب شركته ولا يعلم الى اى مصير يسير.. كان قبل هذا الوضع مسئولاً عن 20 موظفاً وموظفة بعضهم يعولون اسرا قد يكونون ممن يتلقون الدعم لكن صديقى لم يكن يحمل الدولة عبء الحصول على بطاقة التموين او الدخول فى منظومة التعليم الحكومى ولم يكن ممن يشكون ارتفاع سعر البنزين – الآن – اضحى صديقى فى حال يرثى لها يبحث عن مدارس اقل سعراً بعد ان اخبرته مدرسة ابنائه ان زيادة اسعار السلع والورق والبنزين ستؤدى لزيادة الرسوم المدرسية لأكثر من %20 وينظر فى امر بطاقة التموين ويحاول ان يقتصد فى استخدامه لسيارته.. هذا حال صديقى فما بالنا بمن كانوا يعملون لديه وكان اقل راتباً يدفعه يتجاوز الألفى جنيه ببضع مئات.
هل تعى حكومتنا ان منظومة الدعم التى تسعى للتباهى بها بعد اقرارها فى صورتها النهائية لن تغنى او تثمن من جوع.. هل تعى ان تلك المنظومة لن تعوض المواطن الغلبان او الـ«نص غلبان» الفرق بين قيمة دخله التى انخفضت كثيراً وزيادة الأسعار التى تضاعفت اكثر من مرة.
هل تعى انه بسبب سياساتها الاقتصادية اتت على ما تبقى من الطبقة الوسطى بعد ان قضت سياسات من سبقها من حكومات فى القضاء على نسبة كبيرة من تلك الطبقة.
هل تعى انها مسئولة عن اعادة تلك الطبقة الى الحياة مرة اخرى كى لا تتكبد الدولة واقتصادها اعباءً متزايدة ومستمرة.
هل تعى تلك الحكومة ان الامر اكبر من مجرد توفير سلع غذائية اساسية باسعار منخفضة عن سعر السوق.
هل تعمل حكومتنا على النهوض بالطبقة الوسطى و العمل على زيادة رقعتها و الارتقاء بها ام انها تنظر لمسألة الدعم تلك النظرة القاصرة التى طالما صاحبت سياسات الحكومات السابقة عليها.
تلك الحكومة التى رفعت الدعم عن البنزين والمواد البترولية ورفعت اسعارها فقط لتسد عجزاً فى موازنتها دون تقديم خدمات حقيقية للشارع اعتقد – وهذا رأى شخصى – لا تملك خطة او رؤية واضحة لما يجب تحقيقه على اى مدى قريب كان او بعيد.
تلك الحكومة التى لم تستطع التصدى لانفجار الاسعار الذى ادى لغضب شعبى على ادائها وعجزت عن تقديم خدمة واحدة جيدة للمجتمع او احداث طفرة نوعية فى اى مجال او تحقيق انجاز لها فى كتب التاريخ لا يجب – وهذا رأى الشخصى – ان تستمر اكثر من ذلك.
طالعت بالامس خبراً عن مطالبة الكهرباء والبترول للحكومة بزيادة مخصصاتهما فى الموازنة الجديدة لمواجهة ارتفاع الاسعار.. البترول والكهرباء تطالبان بإنقاذهما من غلاء الاسعار رغم ارتفاع فواتير الكهرباء وارتفاع اسعار المنتجات البترولية الوزارتان تطالبان بزيادة مخصصاتهما فما بالنا بالمواطن الغلبان الذى يدفع كل الفواتير دون حول له ولا قوة.
عندى صديق آخر كان يعمل بتجارة التجزئة فى ظل تحرك السوق والاسعار اضطر للتوقف وكان يعمل لديه سائقا ومندوب توزيع الآن الثلاثة لا يجدون قوت يومهم بسبب عدم استعداد الدولة لتداعيات قراراتها الاقتصادية التى كانت – حسب التصريحات الرسمية – لابد من اتخاذها لانقاذ الاقتصاد المصرى.
احد ضباط الشرطة الذين يعملون بأحد الاجهزة السيادية اقسم انه مازال يتقاضى اموالاً من والده لاستكمال احتياجات بيته من مصاريف بعد اكثر من 16 سنة خدمة فى الشرطة ومازال يستعين بأسرته من اجل ان يعيش فقط ويكفى احتياجاته وهو الذى بلغ العقد الرابع من عمره.
هؤلاء وغيرهم كانوا يخططون لمستقبل مختلف لأبنائهم الآن اصبحوا بعيدا عن مرمى اهدافهم لإخراج جيل يساعد الدولة بدلاً من ان يمد يده لها للحصول على اعانات لا تقدم بل تؤخر من حاله للأسوأ.
القصص كثيرة لا يسع المجال لذكرها وتلك الامثلة ذكرتها لعل فى حكومتنا من يمتلك اذناً تسمع وعقلاً يعى ما يحدث للطبقات والفئات المختلفة من المجتمع التى لم تكن عبئاً على منظومة الخدمات الحكومية والآن تجاهد تلك الفئات للهروب من دائرة الهبوط تحت مظلة الدعم الحكومى فى حين تجاهد الحكومة ربما بلا وعى لإدماجهم فى الفئات الاكثر احتياجاً للدعم.. لعل هناك من ينتبه الى ما نحن مقدمون عليه من مخاطر قرارات اقتصادية لم تستعد الحكومة جيداً لتفادى نسبة من تداعيتها واثارها السلبية على المجتمع.
لذلك اذا لم تكن هناك استرتيجية شاملة لدعم المجتمع والحفاظ على المستوى المعيشى لمن لا يكلف الدولة شيئاً ستكون النتائج فى منتهى السوء ستتآكل طبقة مهمة لإحداث التوازن المجتمعى وهى الطبقة الوسطى وستسقط الطبقات الادنى فى متاهة الفقر التى لا خروج منها.
لذلك يجب ان يتم اعادة النظر فى المسئولين عن الحقائب الاقتصادية والخدمية فى الحكومة ومراجعة كشف انتاجهم من انجز فروضه ومن لم ينجزها على الوجه الاكمل من يستحق ان يكون على رأس وزارته ومن استنفد فرصته ولا يستحق غيرها الامر لا يحتاج الى مجاملة او تأخر فى احداث تغيير مطلوب. الوزارات الخدمية فى حاجة ماسة الى اعادة نظر وتغيير كل وزير لم يحقق المطلوب منه والوزارات الاقتصادية كذلك يجب ان يتم اعادة النظر فى مسئوليها وتحديد المقصر والاعتذار له عن الاستمرار معنا لأنه يعرقل مسيرة مجتمع وهذا الامر يحتاج رؤية سريعة متبصرة وان كنت ارى ان تلك الوزارات فى حاجة ماسة الى وزراء اكثر كفاءة واكثر قدرة على العطاء وهذه مسئولية رئيس الجمهورية الذى طلب ان يتحمله الشعب ستة اشهر اخرى كى يرى نتاج المشروعات الكبرى التى شهدتها البلاد على مدار ما يقارب عامين ونصف ولا اظن ان من يعملون بالحكومة بداية من رئيسها على قدر الكفاءة المطلوبة لانجاز المأمول ولا اظن انه يجب ان يتحمل الجيش هذا العبء طوال الوقت.
كذلك يجب اعادة النظر فى المقصود والمستهدف من الدعم والبحث عن سبل لإنقاذ طبقة مجتمعية كان خارج حسابات الدولة ستزيد الحكومة ارهاقاً ان دخلت تحت مظلة الدعم ناهيك عن الحالة النفسية المجتمعية التى ستتولد نتاج قرارات وسياسات خاطئة.