
محمد جبر الشريك بمكتب «نور وسليم» بالتعاون مع «التميمى ومشاركوه» لـ«البورصة»:
تذبذب سعر الصرف أثر سلباً على سوق الصفقات والاندماجات بالإلغاء أو التأجيل
النظام الضريبى الحالى يستهدف الطبقات الوسطى والأدنى ويهمل الجزء الأكبر من الثروات
يجب فرض ضرائب على الثروة لامتصاص فوائض السيولة وتوجيهها لاستثمار حقيقي
القطاع العقارى على وشك الانفجار وسيهدر مدخرات المصريين
غالباً ما بدأت الحكومات المصرية المتعاقبة بالإصلاح التشريعى لقوانين الاستثمار والضرائب بناءً على النظرة قصيرة الأجل ومعطيات الفترة سواء كانت رواجاً أو كساداً لدفع عجلة الاستثمار، وهو ما تسعى إليه الحكومة الحالية فى محاولة لاستعادة التوازن للاقتصاد المصرى فى ظروف أشبه بالأزمة مع مستويات تضخم تتجاوز 20% ومعدلات فقر غير مسبوقة وعجز كبير فى ميزان المدفوعات بما فى ذلك ميزان الخدمات والميزان التجارى بعد تراجع حركة السياحة والتجارة العالمية.
قدرات الاقتصاد المصرى تمكنه ليكون الأول عالمياً فى جذب الاستثمار فى العديد من المجالات التى تعتمد على الموقع الجغرافى وممر رئيسى للتجارة العالمية، لكنَّ السياسات الحكومية المتعاقبة والتشريعات المتتالية فشلتا فى كسر هذا الحاجز الزجاجى بين قدرات الاقتصاد المصرى والاستثمار الأجنبى المباشر والذى ما زال حجمه صغيراً جداً، مقارنة بإمكانيات مصر.
يرى محمد جبر، الشريك بمكتب «نور وسليم بالتعاون مع التميمى ومشاركوه»، أن السبب الرئيسى لضعف الاستثمار لم يكن يوماً يخص التشريعات والتى يراها مناظرة لتلك الموجودة عالمياً، وتكمن المشكلة بروح القائمين على تطبيق هذه التشريعات خاصة فى الجهاز الإدارى للدولة.
وأوضح لـ«البورصة»، أن حالة الشك باتت لصيقة بالمستثمر الأجنبى حال عُرضت عليه فرص للاستثمار فى السوق المصري، مع كثرة المفاجآت سواء التشريعية أو فى السياسات المالية والنقدية أو حتى على مستويات أدنى من صنع القرار تتعلق بتطبيق اللوائح والقرارات الإدارية، حيث يرى «جبر»، تراجعاً كبيراً فى قدرة الموظف الحكومى على اتخاذ القرار فى الوقت المناسب؛ خوفاً من الملاحقات الإدارية والقضائية خاصةً بعد ثورة يناير 2011، الأمر الذى أدى لاتباع سياسة «سكن تسلم».
أضاف «جبر»، أن المفاجآت من تغير الشروط الاستثمارية والنظام الضريبى أو الجمركى أو حتى ضمان الحد الأدنى من وحدة المعاملة لنفس الحالات جميعها تضع شكوكاً وتخوفات لدى المستثمرين، خاصةً بعد أكثر من تجربة لمستثمرين أجانب فى السوق المصرى تراجعوا عن ضخ استثمارات بعد تأسيس شركات مصرية بسبب التعجل الحكومى فى اتخاذ القرارات، مؤكداً «لم تكن جميع المفاجآت سارة للمستثمر خلال السنوات الماضية».
ووفقاً لـ«جبر»: «لا يضر المستثمر القليل من البيروقراطية الحكومية، والمنتشرة عالمياً، لكنَّ الفارق فى مصر هو ضبابية الإجراءات والقواعد، فضلاً عن عدم استقرارها لبناء جدول زمنى محدد لتنفيذ المشروع أو تجهيز نماذج وأوراق واضحة وثابتة لاتخاذ تلك الإجراءات، حيث تدرس كل حالة على حدة، ولا يمكن وضع جدول زمنى واضح لإنهاء إجراءات الاستثمار والتأسيس فى مصر مع كثرة جهات الولاية والاختصاص».
ويرى أن القوانين المصرية جيدة أو مقبولة على أقل تقدير، لكنَّ روح القائمين عليها فى تطبيقها هى المشكلة المزمنة للمستثمرين، متسائلاً هل لدينا جدية فى تطبيق القوانين الموجودة بشفافية وصرامة؟.
وأوضح أن ثورة يناير 2011، على ما كان وما زال لها من إيجابيات، أدت للجوء كبار الموظفين إلى اتباع سياسة «سكن تسلم»، حتى أصبح تسيير الأعمال متروكاً فى أغلب الأحيان لمرؤوسيهم، وهو الأمر الذى أدى لوجود رهبة مشروعة للتجاوب مع طلبات المستثمرين والمواطنين المشروعة.
قال «جبر»، إن علاج هذه الحالة، حيث القواعد غير واضحة وهناك عدم حرص على تطبيقها فى الكثير من الأحيان، يكمن فى إيجاد منظومة شديدة الوضوح والشفافية بناءً على قواعد بسيطة وموحدة، مع الإفصاح عن التعاقدات والقرارات والإجراءات بشكل كامل وعلني.
وانتقد «جبر» طريقة نقد الحكومة الحالية وتحميلها كل سلبيات السنوات والحكومات العديدة المتلاحقة، مؤكداً ضرورة المحاسبة فى ضوء المعطيات الموجودة من تراجع كبير فى عجز الموازنة وأعباء دين حكومى ثقيل وقوانين متضاربة ومعوقة للاستثمار وعقليات إدارية ضعيفة الكفاءة.
على الجانب الآخر، تظهر عوائق الاستثمار نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسات المالية والنقدية والتى دفعت إلى وجود تغيرات سريعة وغير مسبوقة على سعر العملة ومعدلات الفائدة والضريبة.
أشار إلى أن وجود سعرين للصرف ظل عائقاً أمام المستثمرين الأجانب سواء الماليين أو الاستراتيجيين لفترة طويلة، لكنَّ تعويم الجنيه والتذبذبات الحادة التى يشهدها سعر الصرف، حالياً، عكست الوضع، حيث تشير معظم قراءات مجتمع الأعمال والاقتصاديين إلى وجود مبالغة فى سعر الصرف الحالى للدولار أمام الجنيه وهناك احتمالية كبيرة لتراجعه عن المستويات الحالية فى المستقبل، وهو ما يدفع المستثمرين المصريين إلى تأجيل قرارات البيع أو الدخول فى شراكات مع مستثمرين أجانب بالأسعار الحالية والتى تقيم أصولهم عند مستويات منخفضة.
أضاف أن سوق الصفقات والاندماجات يمر حالياً بحالة عدم استقرار كبيرة نتيجة التذبذبات العنيفة فى سعر صرف الجنيه، ما يغير من سيكولوجية المستثمرين على طاولة التفاوض بتأجيل الصفقات أو إلغائها، حيث يرى المستثمرون المصريون شروط الدخول فى صفقات أو اندماجات مجحفة عند الأسعار الحالية، وستستمر حالة عدم الاستقرار لحين وصول سعر الصرف لحالة أكثر توازناً بنسب تذبذب معقولة وفقاً للمتعارف عليه فى الأسواق العالمية.
وأكد «جبر» وجود ارتفاع كبير، حالياً، فى الطلب الاستثمارى على السوق المصرى من جانب المستثمرين الأجانب والماليين منهم بشكل خاص لاقتناص فرصة تراجع سعر صرف الجنيه.
لفت إلى أنه فى ظل مخاطر الاستثمار المرتفعة فى السوق المصرى، حالياً، فإن السوق المصرى جاذب للمستثمرين الأكثر سعياً للربح تأكيداً لمقولة «رأس المال جبان»، وكل ارتفاع فى المخاطرة يجب أن يقابله ارتفاع فى العائد سواء بالنسبة لمستثمرى الأسهم أو السندات ما يظهر بقوة مثلاً فى ارتفاع معدلات العائد المطلوبة على السندات لحين الوصول لمرحلة من الاستقرار والوضوح بالنسبة للسياسات المالية والنقدية.
وطالب «جبر»، بضرورة وجود استقرار تشريعى فيما يتعلق بالنظام الضريبى الذى تغير عدة مرات خلال السنوات التالية للثورة، خاصة الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية، مع إمكانية النظر فى تعديل ضرائب الدخل الخاصة بالأفراد بحيث تكون على صافى الدخل مع الأخذ فى الاعتبار التكاليف واستقطاع النفقات مثل التعليم والصحة والتوسع فى العمل بنظام استقطاع جزء من الدخل تحت حساب الضريبة والتسوية فى نهاية الفترة، ما سيدفع الجميع إلى طلب فواتير عن الخدمات التى يحصلون عليها وسيزيد من الحصيلة الضريبية فى النهاية نتيجة التوسع التدريجى فى حجم الخضوع للضرائب فى ظل صعوبة التهرب منها.
وقال إن النظام الضريبى الحالى يعمل على التوسع فى فرض الضرائب سهلة التحصيل مثل «كسب العمل والقيمة المضافة أو المبيعات» والتى تؤثر بشكل مباشر على الطبقات الوسطى والأدنى، مع إهمال إخضاع الاقتصاد غير الرسمى للضريبة وإهمال نوعيات أخرى مهمة من الضرائب التى لا تخاطب الطبقات الوسطى والأدنى، مثل الضريبة على الثروة، خاصة الثروة العقارية.
أشار إلى أن من أهم سلبيات ضعف مستوى الضرائب العقارية استخدام المصريين للعقارات فى غير محلها كوعاء للثروة ووسيلة للربح السريع، وهو ما يستنزف جزءاً كبيراً من مدخرات المصريين دون استثمار حقيقى فى المقابل.
ويرى «جبر»، أن الفقاعة العقارية تنذر بعواقب وخيمة فى ظل ارتفاع أسعار العملة الصعبة والفائدة، ما يرفع من تكلفة الإنشاءات بناءً على التعاقدات القائمة، حيث ستكون المشكلة أكبر على المشروعات التى لم تكتمل بعد، خاصة فى ظل الأثر السلبى الكبير للتضخم على قدرة العملاء على السداد، ما قد يحدث معه تراجعات ملحوظة فى ثروات المصريين أفراداً ومؤسسات فى ظل انفلات السوق العقارى فى السنوات الأخيرة.
تابع، أن مصر لديها فرص قوية لأن تكون بوابة الاستثمارات لأفريقيا والشرق الأوسط، بشرط أن نتبنى استراتيجية نحدد فيها دورنا فى العالم، مستغلين إمكانيات مصر الضخمة وأهمية موقعها، ولفت النظر للإمكانيات الكبيرة للقطاع الخاص المصرى، بما يحمل من خبرات متراكمة، للاستثمار والتجارة مع دول القارة الأفريقية والتى بدأ العديد منها تظهر فيها طبقات متوسطة لم تكن موجودة فى الماضى بات لديها قدرات شرائية وتطلعات استثمارية واستهلاكية تمثل فرصة مهمة لتوسع القطاع الخاص المصرى من الممكن جداً أن نحسن استغلالها لو توفرت لدينا الإرادة والرؤية.