كم نحن الآن بحاجة إلى غرس الأخلاق فى جميع مناحى الحياة، خصوصاً بعدما طغت التطلعات المادية الجشعة على سلوك الأفراد وكيانات الأعمال. فعندما تدنت الأخلاق فى المجتمع، تفشى الفساد والرشوة والكسب غير المشروع، إلى جانب غيرها من الجرائم التى أدت إلى خسائر لم ينجُ منها قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذى يشكل أكثر من 85% من إجمالى الأعمال فى مصر.
خلال العقود الماضية كان من الواضح أن الأخلاق أصبحت موضوعاً يحظى باهتمام بالغ فى مجال الأعمال التجارية. وكان الاهتمام ينطوى فى المقام الأول على الشركات الكبيرة مثل شركة إنرون التى تسبب انهيارها فى خسائر فادحة لجميع الأطراف، بما فى ذلك العاملون. فعلى الرغم من القوانين واللوائح التى استُحدثت للمساءلة قد ركزت على الشركات الكبيرة، كانت الجهود المبذولة لتنظيم المؤسسات الصغيرة ضئيلة وغير كافية لتنظيم المعايير الأخلاقية لممارسة الأعمال.
بالتأكيد أن أخلاقيات العمل أصبحت مصدر اهتمام كبير فى ثقافة المؤسسة. ويمكن تعريفها بأنها «القواعد الأخلاقية التى يتبناها الأفراد والمؤسسات». ربما يكون من السهل فى الشركات الكبيرة الفصل بين معايير الأخلاق الشخصية للعاملين وتلك التى تتبناها الشركة. أما فى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فغالباً ما تصبح العلاقة السائدة مع زملاء العمل علاقة شبه عائلية، ما يجعل اتخاذ قرارات «أخلاقية» أكثر صعوبة. فأخلاقيات العمل تنبع من معايير السلوكيات وكيفية تأثيرها على الآخرين فى العمل.
من المؤسف أن نسبة كبيرة من مالكى المؤسسات والمسئولين لا يبدون اهتماماً حقيقياً بأهمية الحفاظ على علاقات جيدة وبناء الثقة مع أصحاب المصالح، وهم بصفة عامة العملاء والعاملون والموردون والمجتمع على الرغم من أن نجاح المؤسسة يعتمد على جودة ومتانة هذه العلاقة.
ولكن من المؤكد أن الرغبة فى بناء جسور الثقة داخلياً وخارجياً سوف تدفع أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمسئولين إلى الأخذ بعين الاعتبار إلى أى مدى يمكن للقيم والمبادئ الأخلاقية أن تكون قوة مؤثرة فى أداء المؤسسة.
لعل الأهم لدى أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة معرفة إجابة واضحة عن السؤال الأتي. ما الفائدة التى سوف تعود على المؤسسة إذا ما طبقت ميثاق السلوك المهنى وأخلاقيات العمل؟ بالتأكيد إن الفوائد لن تكون ملموسة إلا إذا توفر لدى صاحب العمل والمسئولين النية الصادقة للقيادة بالقدوة، وتفعيل مبدأ المساءلة وتطبيقه دون استثناءات. عندئذٍ يمكن للمؤسسة أن تحقق عدة فوائد، منها زيادة ولاء العاملين وارتباطهم بالعمل، وتخفيض معدل دوران العاملين، ودعم السمعة الطيبة والنوايا الحسنة للمؤسسة مع أصحاب المصلحة ومجتمع الأعمال.
هناك تحديات تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتطبيق برامج أخلاقيات العمل. لعل أبرز التحديات تشمل النزاهة والشفافية فى جميع التعاملات مع جميع الأطراف ذات المصالح. وكذلك الصدق بين أصحاب المؤسسات وبين جمهور العامة.
والجدير بالذكر، أن التطبيق المشدد لقواعد السلوك المهنى فى الشركات الكبرى لا يمكن العمل به وتحقيق درجة متساوية من الفاعلية فى الكيانات الصغيرة والمتوسطة. على سبيل المثال، التكاليف المرتبطة باستبدال موظف فى شركة كبيرة يمكن تحملها باعتبارها جزءاً من التكلفة الثابتة للقيام بالأعمال، ولكن هذا ليس هو الحال فى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حيث تكون العلاقة بين رب العمل والموظف بحكم طبيعتها، أكثر مرونة وأكثر شخصية. هذه المرونة يمكن أن تسمح باتفاق غير رسمى، بين الإدارة والموظفين للتدرج فى تطبيق قواعد السلوك المهنى.
والخلاصة أنه ينبغى أن تسعى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى تطبيق المعايير الأخلاقية التى أشرنا إليها آنفاً بأسلوب يتناسب مع حجم وطبيعة أعمال المؤسسة، كما ينبغى أن يتم عمل توعية مناسبة للعاملين للتعريف بقواعد أخلاقيات العمل.