بقلم/ خالد عبد الله جناحى
منذ أول ظهور لتقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية فى المنطقة العربية عام 2002، ظلت تلك التقارير، تستخدم كنقطة مرجعية رئيسية لإجراء مناقشات محلية وإقليمية ودولية حول الدول العربية.
ويكتب جميع هذه التقارير خبراء عرب لتقديم أفكار مهمة للمنطقة، وإذا نظرنا إلى الوراء، فقد ثبت أنها دقيقة بشكل ملحوظ.
وحمل التقرير الأول عنوان «خلق الفرص للأجيال القادمة»، وحدد 3 نقاط حرجة للتنمية فى العالم العربى وهى اكتساب المعرفة، والحريات السياسية، وتمكين المرأة.
أما التقرير الأخير الذى نشر يوم 29 نوفمبر 2016، والذى يسبب الاكتئاب الشديد وكان مثيراً للقلق أيضاً عند قراءته، فيشير إلى تلك الحقائق التى نعرفها جميعا بالفعل، ويؤكد أنه إذا لم نعالج الأسباب الجذرية سنستمر فى الهبوط بأنفسنا فى هاوية أعمق، لكن كما يشير التقرير إلى الهبوط العميق بالفعل، إلا أن لدينا فرصة ذات أبعاد تاريخية.
أنا لا أريد أن أكون درامياً.. بل مجرد ناقل عنه
وقال التقرير، إن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً يشكلون نحو ثلث سكان المنطقة، والثلث الآخر هم دون سن 15 عاماً.
وهذا الزخم الديموغرافى سيستمر لعقدين مقبلين على الأقل، ويقدم فرصة تاريخية يجب على الدول العربية اغتنامها.
ويشير التقرير إلى أن نسبة البطالة بين الشباب فى المنطقة العربية هى الأعلى فى العالم بحسب بيانات عام 2014، إذ تجاوزت ضعف المتوسط العالمى، ومن المتوقع أن تتفاقم بحلول عام 2019.
ويضيف التقرير، أنه بحلول عام 2020، تحتاج المنطقة إلى خلق أكثر من 60 مليون فرصة عمل جديدة، لاستيعاب عدد الداخلين إلى سوق القوى العاملة وتحقيق استدامة فرص العمل للشباب.
وهذا أمر مهم بشكل خاص، كما يشير التقرير، لأن الأفراد الساخطين هم أقل عرضة للجوء إلى العمل الاجتماعى السلمى، وأقل صبراً لتغيير بيئتهم، بل قد يفضلون أكثر، التغيير المباشر بوسائل أكثر عنفاً خصوصاً إذا كانوا على قناعة بأن الآليات القائمة للمشاركة والمساءلة عديمة النفع.
وحذر قادة الفكر العربى من هذه النقطة بالذات، ودعوا لتأسيس عقد اجتماعى جديد عاجل بين الحكام والشعوب، يسمح بالابتكار والتفكير النقدى وتحدى الوضع القائم ومكافأة ذلك بالاحتفاء وليس العقاب، وحال عدم وجود هذا العقد الاجتماعى، سنستمر فى الحلقة المفرغة الحالية من الهبوط نحو قاع سحيق.
كما يشير قادة الفكر العربى حالياً، إلى أن نموذج الدولة الريعية الأكثر انتشاراً فى البلدان العربية لم يعد مستداماً، وما لم تبدأ دول الشرق الأوسط فى تنفيذ الإصلاحات الحقيقية ستواجه انهياراً اقتصادياً حاداً تليه اضطرابات اجتماعية وسياسية.
وقد بدأ بالفعل العد التنازلى، فحالياً فى المنطقة العربية تصل مشاركة الشباب فى مكان العمل إلى نحو 24%، وانخفضت هذه النسبة إلى أقل من 18% بين النساء الشابات، وهو أدنى معدل إقليمى فى العالم، فى حين لاتزال البطالة بين الشباب أعلى المعدلات فى العالم.
وليس من المستغرب أن أكثر من 75% من الشباب فى المنطقة العربية يعتبر وضعهم الاقتصادى أهم التحديات التى تواجه بلادهم، نظراً لارتفاع معدلات الفقر والبطالة بينها، فضلاً عن غلاء الأسعار.
ووفقاً لأحدث تقرير للأمم المتحدة، فإن الشباب البالغين فى المنطقة العربية، يعانون من اتساع تفاوت مستوى الدخل، وزيادة عدم المساواة فى الفرص، وتباطؤ النمو متوسط وتراجع فرص العمل.
وهذه المشكلات أضعفت التزامهم بالحفاظ على المؤسسات الحكومية، وقلصت رغبتهم فى المشاركة فى الحياة السياسية التى لا تلبى احتياجاتهم أو توقعاتهم.
وهذا يحدث وفقاً لتقرير سابق صدر عام 2009، جراء التركيز المهيمن فى المنطقة على الأمن، وليس الشعب والمجتمع، وللأسف بقى الوضع على ما هو عليه.
ولتوضيح هذا المنظور، يشير التقرير إلى أن الإنفاق العسكرى فى المنطقة العربية بين عامى 1988 و2014 بلغ حوالى تريليونى دولار، أى أعلى بنسبة 65% من المتوسط العالمى.
هذا التركيز على ضمان أمن السلطة على حساب حتمية تطوير البنية التحتية بما فى ذلك مؤسسات التعليم والرعاية الصحية ترك المنطقة فى حالة جدب.
وينبغى لهذه الأرقام الصادمة لنا، أن تدفع للعمل، لكن للأسف لاتزال النخبة فى الشرق الأوسط تضع العربة أمام الحصان، وتركز على الاستثمار فى مجال الأمن، فى محاولة لتحقيق الاستقرار بدلاً من الاستثمار فى المشروعات لتحقيق استقرار الأمن، ومن المحبط للغاية أننا نلاحظ أنه رغم من كل ما مررنا به.. مازلنا نرفض أن نتعلم من أخطائنا.
خبير بالقطاع المصرفى والمالى العالمى
المصدر: جريدة أرب نيوز
إعداد: ربيع البنا