لم يبزغ نجم الأمير محمد بن سلمان إلا من بعد تولى سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم فى السعودية حيث كانت علاقته بالملك الراحل عبد الله شديدة التقلب ومتسمة بمحاولات مستمرة من ناحية عبد الله لتحجيم نفوذ الأمير الشاب الذى يبلغ من العمر 32 عاماً بالكاد.
ولكن الآن يظهر واضحاً أن محمد بن سلمان أصبح هو المتحكم فى تسيير الشئون السعودية من نواحى عدة وخاصة الجوانب الاقتصادية حيث يقود حراك كبير لتنويع الاقتصاد السعودى وإنهاء اعتماده الكلى على النفط كمصدر للدخل بعد أن أظهرت السنوات الأخيرة خطورة الاعتماد على البترول الخام وحده الذى خسر خلال عامين حوالى 50% من قيمته.
إلا أن محمد بن سلمان نفسه لا يتوانى عن استخدام السلاح النفطى كآلية رئيسية فى إدارة الصراع مع إيران على السلطة السياسية بالمنطقة، خاصة بعد رفع جزء من العقوبات الدولية التى ظلت مفروضة على الأخيرة لعقود طويلة وما تبع ذلك من رفض إيران القاطع لتخفيض سقف الإنتاج لمواجهة التدهور الحاد فى أسعار البترول إلى أن تستعيد معدلات تصديرها السابقة وهو ما تراه السعودية تهديداً وجودياً لوضعها الاقتصادى ومن ثم السياسى فى الشرق الأوسط.
ويبدو أن مصر هنا لا تملك سوى “الفُرجة” على ما يحدث رغم تأثرها الشديد به على خلفية النقص الحاد للمواد البترولية لديها.
فبالرغم من علاقاتها الوطيدة والتاريخية مع المملكة العربية السعودية تجد مصر نفسها هنا ضمنياً على الجانب الإيرانى حيث أن ارتفاع أسعار النفط سيتآكل معه أى تقدم تحرزه مصر فى محاولاها المستمرة لتخفيض عجز الموازنة والتى من أجل انجاحها قامت بإجراءات شديدة القسوة تتصل بتقليص الدعم على الطاقة وفى مقدمتها رفع أسعار المواد البترولية كافة. ويُفسر ذلك التدهور الذى أصاب العلاقات السعودية المصرية مؤخراً والذى لم يكن دعم مصر للقرار الروسى فى الشأن السورى بمجلس الأمن سوى إحدى تجلياته رغم كل الضجة الإعلامية التى أثيرت من حوله.
الخلاف ما بين الملك سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسى إذن ليس خلاف سياسى أيديولوجى كما يحلو للبعض وصفه بقدر ما هو مرتبط برغبة الإدارة المصرية فى إعادة صياغة علاقتها الاقتصادية على المستويين الإقليمى والدولى بمنأى عن “التركيبة السعودية – الأمريكية” التى ظلت تهيمن على المنطقة هيمنة شبه كاملة لعشرات السنين ولكن اتضح فى النهاية أنه لا يمكن التعويل عليها بصفة مستدامة ومن ثم استبدالها بتحالفات منفصلة مع دول مثل روسيا والصين أو بالأحرى دول قيادة الكتلة الشرقية القديمة أثناء الحرب الباردة وهو ما يعنى مرة أخرى الاصطفاف وراء إيران بشكل غير مباشر.
ويطرح هذا السؤال عن قدرة مصر اقتصادياً على الاستغناء عن أشقاءها النفطيين بشكل عام وليس فقط السعودية إذا ما أجبرت على دعم روسيا دعماً غير مشروط فى سوريا وهو الأمر الذى أشك فيه جدياً لأن حتى التقارب المصرى الروسى وما قد يعنيه ذلك من أجواء أكثر دفئاً مع إيران وبكل ما سيحمل ذلك من فوائد اقتصادية عديدة ليس بالتعويض الكافى عن حزم المساعدات الخليجية بأشكالها المختلفة، خاصة وقتما يتعلق الأمر باحتياج الاقتصاد المصرى إلى سيولة فعلية هو غير قادر على تدبيرها حالياً.
السيناريو الأمثل بالنسبة لمصر طبعاً هو الإبقاء على مستويات الإنتاج المرتفعة الحاليةليظل سعر برميل خام برنت أسفل 48 دولاراً، أى السعر الذى افترضته وزارة المالية فى الموازنة العامة للسنة المالية الجارية. ولكن هذا قد لا يتفق مع معطيات الاشتباك القائم بين السعودية وإيران ولا مع تطلعات ولى ولى العهد السعودى الذى يعلم تماماً أن قدرته على التقليل من حجم اقتصاده النفطى تتوقف على سعر أكثر إغراءً للذهب الأسود إلى أن تكون الموارد البديلة مربحة بشكل فعلى وكافية لإدارة اقتصاد المملكة المُتضخم.
كاتب المقال خبير فى الاقتصاد السياسى