
اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة الـ 25..
بما أن القرار كان الابتعاد عن روشتة صندوق النقد الدولى، والاعتماد على الذات فى تحقيق التنمية المستدامة، انصب اهتمام ماليزيا على تحسين السياسات الاقتصادية والمالية والاستثمارية لديها بالاعتماد على قدراتها الذاتية، فكيف تم ذلك؟؟.. بتبنى فكر اقتصادى تنموى ذى رؤية مستقبلية، فقد حققت ماليزيا معدلات نمو سنوية مرتفعة وصلت فى بعض السنوات إلى 9.2%.. وقد قامت هذه الرؤية الاستراتيجية للدولة علي:
• خلق توازن بين النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية.
• تحقيق توازن إنمائى للقطاعات الاقتصادية.
• تحقيق التنمية الاقتصادية المدعومة بالقيم الأخلاقية الإسلامية.
• التأكيد على الدور التنموى للدولة.
واحتل هدف القضاء على الفقر المدقع بين جميع مواطنى ماليزيا ركيزة أساسية كواحدة من أهم الركائز الأساسية لسياساتها الاقتصادية، والقضاء على الارتباط بين العرقية (50% ملايو- 24% صينيون- 7% هنود، حيث الديانة الأساسية هى الإسلام، بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية) والمستوى الاقتصادى…
وفيما يلى نعرض لتلك السياسات الاقتصادية والاستثمارية والمالية التى تبنتها ماليزيا لتحقيق معجزتها الاقتصادية:
1- تنمية صناعية متميزة: والتى مرت بأربع مراحل رئيسية:
• مرحلة التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات: حيث قامت صناعات تحل محل السلع المستوردة، مثل صناعة الأغذية، ومواد البناء وغيرهما، ومنها تم إصدار قانون تشجيع الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية فى تلك المجالات.
• مرحلة التصنيع من أجل التصدير: وكان هدفها النهوض بالاقتصاد الماليزى إلى مصاف الاقتصادات الناجحة، ووضعت الحكومة سياسات هادفة إلى تعظيم القيمة المضافة فى الصناعة الماليزية، وتوطين التكنولوجيا، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
• مرحلة الصناعات الثقيلة: وساعدت تلك المرحلة على تحقيق أهداف السياسة الصناعية التى تمثلت فى تقوية، وتحديث القطاع الصناعى، وخلق روابط بين الصناعات المختلفة، وتقليل الاعتماد على الدول المتقدمة، وتهيئة فرص مساهمة القطاع الخاص فى الصناعات الثقيلة من الموارد المالية المتاحة، وتعد من أهم إنجازات هذه المرحلة دخول ماليزيا فى صناعة السيارات مثل (بروتون ساجا).
• مرحلة الصناعات عالية التقنية.
2- سياسة الخصخصة؛ حيث اتبعت ماليزيا سياسة للخصخصة فى وقت تردد فيها عدد كبير من دول العالم فى الإقبال عليها، وكانت ماليزيا من أوائل الدول النامية التى اتبعت خصخصة شركات القطاع العام، وتحويلها إلى القطاع الخاص، وذلك كان بهدف تحقيق معدل نمو أكبر، وتحقيق أعلى معدلات التنمية.. والحد من التدخل الحكومى المبالغ فيه، وارتفاع الإنفاق إلى 10 أضعاف، ما أدى إلى ارتفاع حاد فى الدين الخارجى للدولة، وعجز فى الموازنة فى عام 1982.. والخصخصة التى اتبعتها ماليزيا هى بيع الأصول والشركات الحكومية للمواطنين الماليزيين، وليس للمستثمرين الأجانب.. وإنشاء جهاز خزانة لإدارة أصول الدولة.. وتحملت الحكومة فى البداية خسائر القطاع العام؛ لأنها اعتبرته الثمن الذى يتعين على الحكومة دفعه لنقل الخبرة والعمل والمهارات إلى الملايين، وذلك لمعالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية.. وهذه السياسة أدت إلى تحقيق ارتفاع فى المدخرات الحكومية، ما خفف من الأعباء الحكومية، كما أدت إلى ارتفاع دخل الفرد، وأتاحت لجيل جديد من رجال الأعمال إعداد صناعات جديدة لدخول السوق العالمي، وتبنى سياسات تسويقية جديدة أدت إلى ظهور المستثمرين الأجانب فى السوق الماليزى، وجذب مواردهم، ما وفر التمويل اللازم لمزيد من التنمية…
3- السياسات المالية التكيفية وأثرها على الاستثمار:
استخدمت ماليزيا السياسة المالية لتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI وتوجيهها نحو قطاعات معينة تسهم فى التشغيل وخلق فرص عمل جديدة، وتطورت هذه السياسة من عام 1958 حتى تاريخه كالتالى:
– فى عام 1958 وكانت الاستراتيجية هى التصنيع للإحلال محل الواردات فى صناعات الأغذية والمشروبات والبلاستيك والكيماويات وصناعة الطباعة والنشر، فقامت الحكومة الماليزية بمنح إعفاءات ضريبية لفترة من 2- 5 سنوات لتشجيع الاستثمار فى هذه المجالات.
– فى عام 1968 ولتشجيع الصناعات كثيفة الاستخدام لعنصر رأس المال فقد قامت الحكومة بمنح إعفاءات ضريبية على الأرباح تراوحت ما بين 2 و10 سنوات.
– ومع تغير الاستراتيجية فى السبعينيات للترويج للصناعات كثيفة الاستخدام لعنصر العمل وللصناعات الموجهة للتصدير، قامت الحكومة الماليزية بإعفاء الصادرات من الضرائب ورسوم الصادرات.
– كما قامت ماليزيا بإصدار قانون لتشجيع الاستثمار بموجبه منحت الشركات التى تقوم بإنتاج المنتجات المنصوص عليها فى القانون إعفاءات ضريبية، كما أتاح هذه القانون أيضاً إسقاط جزء من الضرائب المستحقة على الدخل للشركات التى تعمل فى مجالات صناعية محددة موجهة للتصدير، وبموجب هذا القانون أيضاً تمتعت الشركات الصغيرة الحجم والشركات الملتزمة بالإرشادات الخاصة بالمشاركة فى الملكية، وبمشاركة الأعراق والاجناس المختلفة فى قوة العمل والتى تستخدم الموارد الخام المحلية، تمتعت بميزة خصم كل من المصروفات الخاصة بترويج الصادرات وأقساط تأمين ائتمان الصادرات وذلك عند احتساب الضرائب.
– وقد تقرر إعفاء من الضرائب مدته خمس سنوات لكل شركة تقوم باستخدام أسلوب البحث والتطوير R&D أو تقوم بتدريب العمالة المحلية وذلك لتشجيع هذه الشركات للتوطن فى ماليزيا.
– وفى عام 1990 قامت الحكومة بمراجعة شاملة لجميع الحوافز بهدف تنظيم وتوجيه الحوافز وزيادة العوائد الضريبية ولتشجيع تنمية الصناعات ذات القدرات التنافسية قامت ماليزيا بالقيام ببعض التدابير والتى من شأنها:
1- تقليص الإعفاءات الضريبية.
2-تحديد الاستقطاعات الاستثمارية لـ70% من الدخل كحد أقصي.
3- إلغاء الحوافز غير الفعالة وتلك التى تتعارض مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية.
4- استخدام معيارى أداء لتقييم طلبات مع الحوافز هما؛ أن يكون هناك قيمة مضافة من 30% إلى 50%، وأن يمثل المحتوى المحلى نسبة 20% إلى 50%.
–فى عام 1995 ركزت ماليزيا على الاستثمارات الرأسمالية (الصناعات ذات الكثافة فى عنصر رأس المال)، وبالتالى بدأت فى التقليل من الحوافز الضريبية للمشاريع كثيفة الاستخدام لعنصر العمل؛ حيث منحت المشروعات ذات التقنيات العالمية فى المناطق الصناعية ذات التقنيات الناشئة إعفاءات ضريبية لمدة خمس سنوات أو استقطاعات ضريبية على الاستثمار تصل 60% من تكلفة الاستثمارات الرأسمالية المؤهلة (الاستثمارات المؤهلة هى الإلكترونات الحديثة والصناعات الفضائية ومعدات القياس والتقنيات البيولوجية).
– وحديثاً، قامت الحكومة الماليزية بفرض ضريبة على السلع والخدمات بنسبة 6% فى أبريل 2015، لكى تتمكن من تخفيض العجز فى الموازنة العامة وتخفيض الاعتماد المفرط على النفط والغاز لتحصيل الإيرادات ذلك فى عام 2015 وقد عملت هذه الضريبة على رفع قيمة الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 2.3%، ولكن أدى ذلك إلى زيادة معدل التضخم، حيث بلغ معدل التضخم فى يونيو 2015 (3.3%) مقارنة بما كان عليه فى أبريل من نفس العام 1.8%.
لقد استطاعت ماليزيا أن تتحول من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرهما إلى دولة صناعية متقدمة، وأصبحت معظم السيارات التى توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة، فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية فى جنوب آسيا.. ما أدى إلى تقوية المركز المالى للدولة ككل..
وللحديث بقية فى الحلقة القادمة عن السياسات المساعدة لتحقيق هذه التنمية…
وما نبغى إلا إصلاحاً..