كارثة تدخل صندوق النقد فى اليونان


بقلم: أشوكا مودى

كان تدخل صندوق النقد الدولى فى اليونان كارثة تامة، ومجددًا تسبب فشله فى الانتباه للدروس الحاسمة فى مزيد من المعاناة للشعب اليونانى.

ولم يكن ينبغى على صندوق النقد الدولى أن يتدخل فى اليونان من البداية، وخلال مارس 2010 عندما ازدادت المخاوف بشأن قدرة الحكومة اليونانية على سداد ديونها، كان قادة أوروبا يفضلون ابتعاد صندوق النقد.

وخشى الأوروبيون من أن المساعدة المالية من قبل الصندوق لدولة منهم سوف تكون إشارة على ضعف أكبر فى اتحاد العملة.

وحينها قال جان كلود يونكر، سياسى لوكسمبرجى والرئيس الحالى للمفوضية الأوروبية، قولته الشهيرة: «إذا عانت كاليفورنيا من أزمة إعادة تمويل، لن تلجأ الولايات المتحدة لصندوق النقد الدولى».

ورغم ذلك، رأت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن وجود صندوق النقد الدولى مطلوب لإقناع المواطنين الألمان بأن اليونان بحاجة ملحة لدعم مالى، وأن وجود الصندوق سيخلق انضباط صارم فى استخدام هذه المساعدات، ومنذ هذه اللحظة، أصبح صندوق النقد أداة أوروبا ـ وبالأخص ألمانيا ـ فى اليونان.

ثم جاء الخطأ الرئيسى حين دفع الأوروبيون والأمريكيون فى مجلس إدارة الصندوق ـ رغم المعارضة الشرسة لبعض الأعضاء ـ ببرنامج حزمة إنقاذ لا يفرض أى خسائر على مقرضى اليونان من القطاع الخاص، وهو ما كان مخالفًا لقواعد الصندوق، واستند هذا القرار على افتراض زائف بأن «إعادة هيكلة» ديون القطاع الخاص سوف يشعل فتيل انهيار مالى عالمى.

وبالتالى، أقرضت الحكومات الأوروبية وصندوق النقد اليونان أموالا طائلة لسداد دائنيها، وهكذا أصبح عبء الدين كما هو، واضطر أكثر اليونانيين فقرًا لقبول تقشف شديد لإعادة السداد لدائنيهم الرسميين الجدد، وانهار الاقتصاد بسرعة كبيرة ومتوقعة.

وحتى عندما أدرك صندوق النقد الدولى أخطاء طريقته، لم يغير المسار، وأقر تقرير داخلى «سرى للغاية»، تم الكشف عنه فى وقت لاحق، إن البرنامج كان يشوبه «أخطاء بارزة» بما فى ذلك عدم هيكلة ديون القطاع الخاص والتقشف المفرط.

ومع ذلك، لم يتحمل الصندوق المسئولية أبدًا، وبدلا من ذلك، طالب بالمزيد من التقشف خلال 2014، وفى ديسمبر من هذا العام ثار الشعب وجلب حزب «سيريزا» المعارض إلى السلطة، وهو ما جعل الصندوق أكثر إصرارًا على مطالبه.

وفى هذه المرحلة كان الدليل كاسحًا على أن هذه الاستراتيجية تدفع باليونان إلى انهيار مالى واقتصادى، ولكن كالمعتاد، تم إلقاء اللوم فى معاناة الدولة على عدم رغبتها فى التعاون.

ووصلت اللامعقولية إلى ذروتها فى منتصف 2015 عندما أصدر صندوق الدولى تقريرًا يقر فيه صراحة أنه تحت آخر مقترحات تقشف أوروبية، سوف تحتاج اليونان لمعجزة لسداد ديونها.

وفى هذا الوقت أظهرت أبحاث الصندوق الخاصة أن أفضل مسار هو شطب الديون والتخلى عن المزيد من التقشف المالى للسماح للدولة بالنمو مجددًا وجذب استثمارات جديدة، وبمجرد حدوث ذلك، كانت اليونان لتتحرر من دائنيها الرسميين وتعتمد مجددًا على المستثمرين من القطاع الخاص الذين يدركون جيدًا أنهم مسئولون بالكامل عن المخاطر التى تحملوها.

ومنذ ذلك الحين، تحرك صندوق النقد الدولى فى الاتجاه السليم، وطالب الأوروبيين مرارًا أن يشبطوا كميات كبيرة من الديون، إلا أن الألمان رفضوا أى شطب ذى معنى، واستمرت اجراءات التقشف، ما قمع النمو ورفع عبء الديون اليونانية.

وكانت هذه الاستراتيجية طائشة تمام، وخضع اليونانيين لمعاناة كبيرة، وحاليًا من يستطيع ترك اليونان يفعل ذلك، ما يهدد بأن تصبح الدولة مهجورة أو يسكنها الشيوخ فقط، وبمرور كل يوم تتضاءل فرص أن يسترجع الدائنون الأوروبيون الرسميون أموالهم، ورفع المستثمرون مجددًا العائد على السندات اليونانية، بدافع من الخوف المبرر من أزمة أخرى.

ولن تنتهى هذه المعاناة إلا إذا تحرك صندوق النقد الدولى لإنهاءها، واقترف صندوق النقد والمساهمين الرئيسيين فيه ـ الأوروبيين والأمريكيين ـ الأخطاء الأساسية وكرروها، وبالتالى لن يكون مجرد الاعتراف بالخطأ كافيًا.

فالمحاسبة الحقيقية تتطلب أن يتقبل المساهمين فى الصندوق خسائر حقيقية، وهذا يعنى شطب ديون الدولة للصندوق وترك اليونانيين والأوروبيين لإيجاد حل لهذه الفوضى معًا.

وإذا استمر صندوق النقد الدولى فى التدخل، فلن ينجح سوى فى تمزيق مصداقيته أكثر مما حدث.

إعداد: رحمة عبدالعزيز

المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج».

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2017/02/08/973584