رقمنة الأنشطة المصرفية والمالية.. قضية حياة أو موت

3 طرق للمنافسة.. تأسيس شركة برمجيات والاستحواذ والشراكة

«البرمجيات تأكل العالم».. شعار أطلقه أهم خبراء التكنولوجيا فى وادى السليكون مارك آندرسن فى مقال شهير له قبل خمس سنوات، وبعد أن التهمت الإعلانات والإعلام والنقل فتحت شهيتها للخدمات المصرفية والمالية.

وتعيش البنوك، اليوم، منافسة مع مجموعة واسعة من التقنيات المالية أو الشركات الناشئة فى مجال تكنولوجيا القطاع المالى التى تلبى احتياجات العملاء بشكل أسرع وأرخص عبر الإنترنت. والسؤال هو كيف يمكن للبنوك الكبرى أن تستجيب لهذا التطور الرهيب؟

يقول الخبير فى مجال رقمنة البنوك جيسون بيتس، إنه لا يوجد سبب منطقى يبرر عدم قدرة البنوك الكبيرة على مواكبة هذه التطورات. مضيفاً أن قطاعات كبيرة سيطرت عليها التكنولوجيا مثل الموسيقى والصحف.

شارك «بيتس» فى تأسيس شركات خدمات رقمية للبنوك، ومنها ستارل ومونوز فى السنوات الخمس الماضية، والآن يعمل فى مؤسسة «11 F»، وهى شركة استشارية للخدمات الرقمية المصرفية. هذه الشركات وأمثالها هى ما يثير مخاوف من أن البنوك التقليدية يمكن أن تصبح مثل «الأنابيب الغبية»، وهى عبارة طرحها بحث لبنك سيتى فى بداية العام الماضي.

وبحسب تقرير لصحيفة صنداى تايمز، فإن النظرية الحديثة، تقول إنه دون شركات تكنولوجيا الخدمات المالية التى تتميز بالتطبيقات الرشيقة وسهلة التواصل على غرار «فيسبوك» و«جوجل»، فإن المنتجات الأساسية للبنوك ستصبح غير مرئية بالنسبة للعملاء.

وأشار التقرير إلى أن نجاح شركات التطبيقات الحديثة يعود للعلاقة المباشرة مع العملاء، ويظهر ذلك فى العائدات المرتفعة على عكس تنافس البنوك التقليدية بين بعضها البعض للعمل من خلال هذه المنصات الجديدة الذى يقود إلى خفض هامش الأرباح.

هذه المخاوف لا يقودها فقط العمالقة الجدد الداخلون إلى السوق، ولكن أيضاً عن طريق الجهات التنظيمية؛ حيث تدفع كل من المملكة المتحدة والهيئات التنظيمية الأوروبية باتجاه «العلانية المصرفية»، وهو نظام جديد من شأنه أن يجبر البنوك على تبادل البيانات الخفية، ما يجعل من الأسهل بالنسبة للمستهلكين المقارنة بين البنوك والمنتجات المالية.

ويعنى تبادل البيانات واعتماد تطبيقات برمجية لإنشاء منصة رقمية أساسية، أن طرفاً ثالثاً سيظهر لسد العجز فى الخدمات الأساسية.

وأكد كريس جيلدارد، رئيس الخدمات المصرفية العالمية فى شركة الخدمات المالية الاستشارى (كابكو)، أن البنوك تسير مضطرة إلى حيز أبعد من مجرد توفير جميع المنتجات، خصوصاً أنها لكى تكون الأفضل فى فئتها سيكون عليها تبديل بعض الأمور باتجاه آخر، فعصر العلانية المصرفية يجعل السوق أكثر تنافسية بكثير مما هى عليه حالياً.

لا يمكن أن تنظر البنوك لشركات تكنولوجيا الخدمات المالية على أنها أعداء، كما يسود الانطباع، حالياً، بل على العكس كما يقول شين ويليامز، الخبير فى بنك «يو بى إس»، فإن البنوك ترى هذه الشركات باعتبارها وسيلة رائعة لفهم السوق، وكيفية المضى قدماً.

وأطلق وليامز، رئيس ويلث سمارت، وهى منصة إدارة أصول عبر الإنترنت لبنك «يو. بي. إس» على المنافسة مع جيل جديد من الشركات الناشئة اسم «المستشارون الآليون»، وقد طور هذا المفهوم بالتعاون الوثيق مع معمل الابتكار فى بنك «يو بى إس»، ومقره لندن.

هناك شركات تفعل ما يفعله فيسبوك، ومايكروسوفت، وجوجل من عمليات استحواذ لحماية أنفسها أولاً، وثانياً لتنمية القدرات الداخلية.

وقام بنك «بى بى فى إيه» الإسبانى على سبيل المثال بشراء مصرف «سيمبل» الأمريكى الإلكترونى الذى يعمل على الإنترنت، وكذلك المصرف الفنلندى «هولفي»، وأخذ حصة كبيرة فى تطبيق المصرف الأمريكى «أتوم».

قال نيكولاس بارميسكاسيزيان، رئيس الوحدة الرقمية فى كابكو، إن المصرفى الإسبانى قرر فى وقت مبكر جداً أنه لم يعد مجرد بنك تقليدي، وتحول لوحدة برمجيات للخدمات المالية.

والطريق الثالث هو الشراكة مع اللاعبين الجدد فى مجال التكنولوجيا الذكية وهذا هو أسهل الحلول وأقلها تكلفة؛ حيث يقدم، أيضاً، فرصاً لخفض تكاليف العمل، فالبنوك بحاجة ماسة إلى القيام بذلك فى بيئة العائدات المنخفضة حالياً.

ويرى أصحاب هذا الاتجاه، أن لديهم كل الكفاءات الأساسية، والشيء الوحيد الذى ترغب فيه بنوكها هو منصة لمواجهة المخاطر، فكل شيء آخر، من توزيع المكاتب الأمامية (مثل خدمة العملاء) إلى المكاتب الخلفية (الأعمال التى تتعامل مع الجمهور مباشرة) متوفر، وتبقى الاستعانة بمصادر خارجية أو شريك تكنولوجى ليقوم بهذا الجزء من العمل كما ينبغي.

وتمثل خدمات الهاتف المحمول للمصارف أهم محفزات الرقمنة فى السنوات الأخيرة، وكما يعتقد بيتر راندال، الرئيس التنفيذى لـ«سيتل»، أنه فى غضون ثلاث سنوات سيتغير المشهد تماماً.

وأضاف أنه يجب تذكر ما قاله جون كريان، الرئيس التنفيذى لدويتشه بنك أن لديهم 5500 منصة تقنية منفصلة فى بنكه، وهو ما يحتاج إلى دمج أجزاء كبيرة منها.

وتعمل البنوك الأمريكية فى هذا الاتجاه الذى يعرف بـ«هاتف محمول واحد» يقصد به تقديم جميع الخدمات الإلكترونية عبر تطبيق الهاتف المحمول الواحد.

فى نهاية المطاف، هناك مجموعة متنوعة من السبل كلها تعتمد على النظام الرقمى، وتعمل على الحلول المختلفة لحل مشكلات مختلفة.

«المستقبل غير مؤكد للبنوك التى تتجاهل هذا التطور المهم لهندسة خفة الحركة والمرونة فى العمل فى المستقبل»، كما يقول مارك مولين، الرئيس التنفيذى لشركة التطبيق الوحيد «أتوم».

وأضاف أن «الشيء المهم هو أن تكون البنوك على استعداد للمحاولة وعلى استعداد لقبول الفشل، ومن ثم إعادة المحاولة».