
اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة 28..
زرت هذا البلد كأكبر دولة فى قارة أمريكا الجنوبية فى يونيو 2009 لمدة أسبوع، وتحديداً المدينة التجارية (ساو باولو)؛ لنلمس مدى التطور والمدنية والتنمية، والحلاوة والجمال، التى وصلت إليها هذه الدولة.. ومدى النظافة والنظام والبنية الأساسية المتميزة وغيرها من الإنشاءات، إلى جانب حجم الشركات المحلية والدولية التى اتخذت من هذه المدينة مقراً لصناعاتها وتجارتها لتتدفق إلى دول الأمريكتين ودول أوروبا.. وكيف كانت تتهافت عليها شركات الخليج لخلق علاقات تجارية، لدرجة وجود رحلات طيرات منتظمة إلى عدد من مدنها (برازيليا)، (ساوباولو)، و(ريو دى جانيرو)، سواء للسياحة أو لخلق فرصة تجارية بينها وبين دول الخليج، وقابلنا عدداً من المستثمرين الإماراتين الذى يعرجون عليها بانتظام..
دولة بها صناعات متقدمة فى عدة مجالات؛ اللحوم، والدواجن، الحبوب، والبن، السيارات وقطع غيار السيارات لمختلف الماركات الآسيوية والأوروبية، البترول والغاز وأدوات الحفر الخاصة بهما والبتروكيماويات، صناعة السكر، صناعة المنسوجات والملابس، الطائرات وقطع غيارها (شركة امبراير) ووقودها، الزراعة والتصنيع الزراعى… إلخ.. بالإضافة إلى الخدمات البنكية مثل الخدمات المالية، حيث نظام بنكى متقدم، فضلاً عن تواجد العديد من البنوك الدولية.. وكذلك الخدمات الأخرى وتحديداً السياحة.. والخدمات المالية غير المصرفية، ناهيك عن بورصة مالية متقدمة تديرها شركة قطاع خاص.. وتعاظم دور الغرف التجارية، واتحاد الصناعات.. فيعد اتحاد الصناعات من أقوى مؤسسات الأعمال التى تحرك مجريات الاستثمار والأعمال هناك.. بالإضافة إلى خدمات النقل واللوجستيات.. دولة بها من التكامل الصناعى والخدمى وتفوق تنموى يشد الانتباه، ولاسيما أنها لجأت للصندوق، وتقهقرت قبل أن تنفك عنه، وتنطلق بالاعتماد على قدراتها الذاتية وسواعد أبنائها فى عهد لولا دى سيلفا..
إلى جانب دور الغرفة العربية البرازيلية للتجارة التى تتميز بثقل اقتصادى وسياسى داخل وخارج البلاد.. والتى تضم أطيافاً متنوعة من رجال الأعمال البرازيليين والبرازيليين من أصل عربى، حيث تعد الجاليتان السورية واللبنانية من أكبر الجاليات العربية ذات الثقل السياسى والاقتصادى فى السوق البرازيلى.. ومن يرغب فى توثيق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع السوق البرازيلى ومجتمع الأعمال البرازيلى فعليه التعامل مع هاتين المؤسستين، وإن كان التعامل من خلال الغرفة أيسر، لما لها من شبكة علاقات ضخة مع جميع مؤسسات الأعمال والحكومة فى البرازيل..
فالبرازيل التى تعانى تراجعاً فى اقتصادها، مؤخراً، منذ يوليو 2014 محققاً معدلات نمو سالبة؛ حيث آخر معدل نمو إيجابى كان خلال النصف الأول فى عام 2014، حيث بلغ حينها 3،5% ثم تراجع بالسالب ليصل أقل مستوى له فى يناير 2016 (5.8% بالسالب.
هذه الدولة احتلت خلال عام 2009 المركز رقم 6 عالمياً من حيث حجم الناتج المحلى الإجمالى، فالبرازيل تعد أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية، رغم الأزمة الاقتصادية العالمية فى 2008.. ولكن تداعيات الأزمة العالمية بدأت تظهر فى السنوات اللاحقة.. فافضل سنوات عمرها كانت خلال الفترة من 2003-2010… وهى الفترة التى نهض خلالها لولا دى سيلفا بالبلاد.. بعد تجربة صندوق النقد الدولى المريرة.
هل كانت فترات نهضة غير ذلك فى فترة حياة البرازيل؟ أجل كانت هناك فترات نهضة، وفترات ركود وفترات أزمات.. وعثرات وصندوق نقد وتاريخ مماثل لما مرت به مصر.. إنها دولة تستحق التعرض لتجربتها لأنها ركلت صندوق النقد الدولى ونحته جانباً بعد تبنيها برامجه التى زادت من عثرتها والتحول إلى تبنى برنامج إصلاح وطنى حقق تنمية اقتصادية واجتماعية ترتب عليه نهضة صناعية واقتصادية اجتماعية ساعدت فى نقل 30 مليون مواطن من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة المتوسطة.. ولدرجة وصلت إلى فرضها ضرائب على الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لوصولها إلى مرحلة اكتفاء منها.. بنظام نوقف استثمارات شوية بقى.. بالبلدى ما كانوش ملاحقين يا عينى..
فى الحلقات القادمة وتحديداً فى حلقتين سنعرض بإيجاز تجربة البرازيل مع التركيز على الفترة من 2003 حتى 2010.. ولنا من تجارب الدول عظات ودروس تفيد بلدنا العزيز مصر؛ لأنها تستحق أن تكون فى مركز أفضل يليق بها وبتاريخها ومواردها..
وما نبغى إلا إصلاحاً..