
اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة 31..
منذ تعويم الجنيه فى 3 نوفمبر 2016 وحتى يومنا هذا لا ندرى الى اين سيذهب سعر الصرف انخفاضا أو ارتفاعا.. فبعد وصوله العشرين جنيها ثم نزولا حتى قبل الـ16 جنيها بقليل ثم عودة مرة اخرى يقترب، وأحيانا يلامس أو يزيد على الـ18 جنيها حاليا.. واعتذار مسئولى الصندوق والبنك المركزى عن كون جنوح أسعار الصرف إلى مستويات مرتفعة فاقت توقعاتهم.. من يتحمل المسئولية؟ وكيف سيتم حساب المسئولين عما وصلنا إليه؟ وانعكاس ذلك على الموازنة العامة؟ وأسعار السلع؟ وعصر الطبقة المتوسطة والفقيرة؟ ويبقى التفكير التقليدى المحدود فى اللجوء الى جيب المواطن.. دون أن يقابله تحسن فى المستوى المعيشى والخدمات التى تمس حياة المواطن من صحة وتعليم وغيرها من الخدمات.
فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير منذ قرار التعويم.. وفى مصر لما السعر بيطلع ما بينزلش لأن «القاعدة فوق بتعجبه قوى وبتجيب مكاسب كتير.. يبقى ينزل ليه؟!».. ويبقى المواطن من الطبقة المتوسطة والفقيرة الاكثر تضررا.
لقد طالعتنا الإحصائيات الأخيرة للبنك المركزى والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بتخطى معدلات التضخم الـ30% لتصل الى 33% مع نهاية شهر فبراير 2017.. إذن مصر أصابها معدلات تضخم عالية جدا وما زال هناك توقع بارتفاع معدلات التضخم أكبر من ذلك لأنها فعليا فى السوق تزيد على 40-45% فى المتوسط.
ما شاء الله ليس فقط لدينا تضخم مرتفع بل وأيضا لدينا ركود تضخمى متزايد.. (اى معدلات بطالة مرتفعة ومعدلات تضخم مرتفعة مع معدلات نمو متواضعة ومستويات تشغيل منخفضة).. وعلم الاقتصاد يعرف التضخم بمعنى المبسط بانه تآكل القوة الشرائية للنقود، وكذلك ارتفاع قيمة السلع والخدمات مما يعنى ارتفاع تكلفة المعيشة، وفى هذه الحالة فإن مؤشر أسعار المستهلكين الذى يقيس معدلات التضخم تكون وظيفته الأساسية متابعة حركة الأسعار لتحديد مدى قدرة الشخص العادى على توفير الاحتياجات الأساسية لحياته.. ويمكن وضع توصيف أكثر بساطة للتضخم بأنه يعنى الاحتياج لكمية كبيرة من النقود لشراء كمية من السلع كانت تبتاع بكمية أقل فى وقت سابق، وأيضا أن ارتفاع التضخم يعنى أن مؤشر أسعار المستهلكين يتحرك بمعدل نمو إلى أعلى على منحناه الموجب.
ويطلق على الركود أو توقف النمو النمو المصحوب بارتفاع معدل التضخم Stagflation (الركود التضخمى)، وهو من الحالات الضارة بالاقتصاد، حيث جرى اقترانه أو حتى تعريفه على كونه مصحوباً بارتفاع معدل البطالة وهى عائق دائما لحسابات واضعى السياسات لتداعياتها السلبية على الاقتصاد، خصوصا بسبب تضرر الإنفاق ودفع الطلب نحو التراجع.. وتوقف النمو أو بطئه الحاد مع ارتفاع الأسعار يعنى ركودا تضخمياً، وهو ما شهدته الدول المتقدمة فى منتصف سبعينيات القرن الماضى نتيجة الصعود الحاد لأسعار النفط، ما دفع التضخم نحو مستويات مرتفعة بعد إيقاف الدول العربية صادراتها النفطية للدول المعاونة لإسرائيل.. وتشير بعض الآراء إلى أن السياسى البريطانى «ايان ماكلويد» أول من صاغ المصطلح فى كلمة أمام البرلمان عام 1965 بقوله: لدينا حاليا تضخم فى جانب، وتوقف للنمو على الجانب الآخر، لذا فإننا نعانى ركودا تضخمياً..
حتى الآن لم يتم الإعلان عماهية السياسة النقدية والمالية المتبعة لمكافحة التضخم والركود التضخمى وعلاج مشاكل عجز الموازنة واخفاض مستويات التشغيل وتواضع معدلات النمو والصادرات والاستثمارات التى لا تكفى حتى الان لتليين الاقتصاد (وهو مصطلح يستخدم للسيارات التى تقوم بعمل عمرة لمواتيرها حتى ترفع من اداءها بعد التليين) ودفعه للأمام.. وكيف ستتفاعل السياسات النقدية والمالية مع بعضها للنهوض بالاقتصاد القومى.. فالمشروعات القومية وان كانت مهمة فثمارها ستأتى على الامد الطويل كمان مشروعات البنية الأساسية هى ادوات مساعده لنهوض القطاعات الاقتصادية التم لم تنهض حتى الآن.
عندما جاء الرئيس الأمريكى ترامب للسلطة ركز على كيفية اعادة نهضة الصناعة الأمريكية واهتم بالجلوس مع العديد من مستثمرى القطاع الصناعى للوقوف على اهم المشاكل التى تعوق تطورهم ونموهم واعادة الصناعة الأمريكية الى سابق عهدها.. واهتم بالنظر الى معدلات الفائدة والضرائب السارية فى السوق تمهيدا لدراستها وتطبيق معدلات مشجعة على الاستثمار.. وتشجيع الإنتاج المحلى.
لم أرَ حتى الآن سياسات تركز على النهوض بالتعليم والصحة وتشجيع الاستثمار فيهما.. وما الإجراءات المتخذة لزيادة الموارد من النقد الاجنبى – وهنا يحضرنى تفسير ان الانخفاض فى سعر الدولار الذى حدث خلال الاسابيع الماضية لم يكن حقيقيا لانه لم يكن معضدا بتحسن الموارد الدولارية واتاحتها فى السوق ولا بقفزات حدثت فى الاقتصاد المصرى حتى وان كانت هناك مؤشرات ايجابية مؤقتة، فالمطلوب استدامة المؤشرات الاقتصادية الكلية الإيجابية وتحسن موارد الدولة وانفخاض عجز ميزانيتها.. لما أرى أرقاما للاستثمار الأجنبى المباشر كالتى شهدناها فى العام المالى 2007-2008 بالوصول إلى 13.2 مليار دولار..
هل ما زال هناك أمل.. أجل هناك أمل وفرص للتحسين.. ولكن الأداء الكلى للدولة والاقتصاد والقائمين عليهما يجب أن يكون منسجما ويكون حول هدف واحد وهو تحسين المستوى المعيشى للمواطنين ورفع مستويات دخولهم وتحسين الخدمات التى يحصلون عليها من جانب.
ومن جانب آخر خلق المناخ الذى يؤدى الى رفع مستويات التشغيل والانتاج والتصدير الى مستويات غير مسبوقة.. واستمرار الجهود فى اعادة قطاع السياحة الى مستويات اكبر مما كانت عليه.. واعادة النظر فى السياسات المالية والنقدية والصناعية والاستثمارية والتنسيق فيما بينها واستقرارها لتقود قاطرة النمو فى الفترة المقبلة.. ما يساعد على حل مشاكل الاستثمار ومن ثم انطلاق قوافل الترويج لفرص استثمارية مدروسة وجادة.. وبرؤية استراتيجية واضحة لماهية الاقتصاد وإلى أين يذهب! ويبقى المواطن هو أساس التنمية المستدامة.. فإذا شعر المواطن بالرضا الاقتصادى والاجتماعى فاعلم أنك على الطريق الصحيح.
وما نبغى إلا إصلاحا