حديث الساعة فى مصر منذ تعويم الجنيه هو «سعر الصرف»، فكم بلغ سعر الدولار مقابل الجنيه؟، نراقب يوماً ارتفاع سعر الدولار الواحد ليقترب من حاجز العشرين جنيهاً، ويوماً آخر نعتبره انهياراً لسعر الدولار حينما يتجاوز حاجز الخمسة عشر جنيهاً بقروش قليلة، لقد أصبحنا جميعاً بكل فخر خبراء فى سوق النقد، متابعين بكل شغف سياسات البنك المركزى فى مواجهة أزمة الدولار، وماذا سيقدم من حلول للخروج من تلك الأزمة.
وتأتى تصريحات السادة الخبراء التى ينتظرها الجميع لتؤكد أن المسئولية تقع على عاتق البنك المركزى وحده، وتلقى تصريحات أخرى بالاتهامات على أدوات السياسة النقدية المتبعة، وترى أنها السبب المباشر المتسبب فى حدوث الأزمة الحالية التى يعانيها الجنيه المصري.
عفواً؛ فتلك التصريحات أو الاتهامات ليست فى محلها، فالبنك المركزى ليس هو المتسبب الأوحد فى تلك الأزمة، ولن تستطيع السياسة النقدية التى يتبعها البنك المركزى الخروج من هذه الكبوة دون مساندة السياسة المالية للدولة، وبالتالى لا يجب أن نلقى على عاتق البنك المركزى وسياسته النقدية حل تلك الأزمة.
فالسياسة المالية هى مجموعة الأدوات التى تستخدمها الدولة للتأثير على النشاط الاقتصادى لتحقيق هدف معين، وتتكون من أدوات الإنفاق العام المختلفة وأدوات الإيرادات العامة، المتمثلة فى الضرائب بمختلف أشكالها.
أما السياسة النقدية فهى مجموعة الأدوات النقدية التى يستخدمها البنك المركزى للتأثير على النشاط الاقتصادى عن طريق تغيير عرض النقود، ومن أهم أدواتها تغيير نسبة الاحتياطى القانوني، والدخول بائعاً أو مشترياً للأوراق المالية، وكذلك توجيه البنوك بتسهيل أو تقليل عملية الائتمان.
فكلاهما مشترك فى السيطرة على الموجات التضخمية أو الانكماشية التى قد يعانيها الاقتصاد، أى اقتصاد، للأى دولة تسير وفق نهج اقتصادى سليم، وليست مصر بصفة خاصة.
فحينما أتحدث عن السياسة المالية لمواجهة الموجات التضخمية يتطلب الأمر اتباع سياسة مالية انكماشية، وهو ما يعنى تخفيض الإنفاق الحكومي، وزيادة الضرائب، وفى ذات الوقت لابد أن يصاحب السياسة المالية الانكماشية سياسة نقدية انكماشية أيضاً، وذلك بأن يوجه البنك المركزى بتقليل فرص منح الائتمان، وعليه أيضاً أن يدخل بائعاً للأوراق المالية، أى يستهدف تخفيض عرض النقود بتقليل السيولة لدى الأفراد ولدى الحكومة، وهو ما يؤدى إلى تخفيض الطلب الكلى ومستوى الدخل النقدى.
أما حينما يعانى اقتصاد الدولة من الانكماش، فهنا يجب اتباع سياسة مالية توسعية، تعمل على زيادة الطلب الكلى، من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، وتخفيض الضرائب، ويجب أن يسير معها السياسة النقدية التى يتبعها البنك المركزى من خلال التوجيه بزيادة فرص منح القروض، وعليه أيضاً أن يدخل مشترياً للأوراق المالية، ليتحول الاقتصاد من وضع الركود إلى الانتعاش، وتدور عجلة التنمية الاقتصادية.
فلا يمكن أن يدار اقتصاد دولة بسياسة مالية منعزلة عن السياسة النقدية، ولا يمكن أن نلقى بالأعباء الاقتصادية على متخذى القرارات المالية، دون تنسيق مع السياسة النقدية.
وبالتالى المشكلة الاقتصادية فى مصر لا يمكن أن تقع على عاتق البنك المركزى وحده، وإنما يتحمل مسئوليتها، أيضاً، متخذى قرارات السياسات المالية، فكلاهما مكمل لبعضه البعض، وفى ذلك الشأن أتساءل أين دور الإصلاح الضريبى الشامل؟ وأين منظومة الضرائب التصاعدية؟ فالضرائب تعد أهم أدوات السياسة المالية، فقد كان على متخذى القرار البدء أولاً بإصلاح تلك المنظومة، أى البدء بالإصلاح المؤسسي، وذلك حتى نُحجم من الآثار السلبية الناتجة عن تعويم الجنيه، بدلاً من إلقاء المسئولية على كاهل البنك المركزى وسياسته النقدية.
د. شيماء سراج عمارة
[email protected]
حاصلة على دكتوراه الاقتصاد
من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
جامعة القاهرة