
اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة 33.. الادخار والاستثمار… تحديات وآفاق..
لا شك أن معدلات الفائدة المحلية المتعلقة بالإقراض، وهى فى حدود 16-18% (شاملة الرسوم الإدارية وضريبة الدمغة وغيرهما من الأعباء) لا تشجع على الاستثمار.. فمن سيقوم بالاقتراض والمخاطرة بالاستثمار فى ظل هذه المعدلات؟! حيث أصبح من الآمن بالنسبة له وضع ما لديه من سيولة فى شكل مدخرات ذات عائد مرتفع.. فهل من الأفضل له المخاطرة بسيولة، واقتراض بمعدل عائد داخلى %20 – %25، وفترة استرداد أموال لا تقل عن 4- 5 سنوات، وفى بعض المشروعات تصل إلى 7 سنوات؟ أم الأفضل له أن يضع أمواله بالبنك أو فى ودائع ادخارية ذات عائد مرتفع دون مخاطر ودون «وجع دماغ تحديات السوق والعمالة وإلخ.. وبعائد 20% هو أقرب إلى معدل العائد الداخلى على الاستثمار..؟ وكذلك توجيه جزء من السيولة لتحقيق مكاسب سريعة فى البورصة بعد انخفاض قيمة الأسهم نتيجة التعويم (وهو ما يقوم به المستثمر العربى والأجنبى الحائز للدولار)..
إذن، الاستثمار المباشر طويل الأمد أصبح على المحك، وبالعكس بدأ العديد من المستثمرين العزوف عنه فى ظل وجود الاستثمار غير المباشر والودائع الادخارية ذات العائد المرتفع، وبالتالى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض… مع تفاقم المشاكل البيروقراطية وبطء وتيرة حل مشاكل الاستثمار..
المطلوب إعادة التفكير فى سياساتنا النقدية والمالية والاستثمارية والصناعية، بما يشجع على عودة حركة الاستثمارات طويلة الأمد إلى سابق عهدها وبل وأفضل.. وهو ما يتطلب إعادة النظر فى السياسات الاستثمارية (تحسين مستمر وبوتيرة أسرع فى بيئة الاستثمار للحد من البيروقراطية والفساد وتحسين الأداء – حوافز استثمارية مالية وغير مالية للمستثمرين «بالتنسيق مع المالية»- إسراع وتيرة حل مشاكل المستثمرين – التأكيد على احترام الدولة لعقودها مع المستثمر- تفعيل ضمانات وحقوق المستثمر- إصلاح مؤسسى للجهات الحكومية ولسلوك الموظف الحكومى فى مجال الاستثمار والتراخيص- استكمال منظومة القوانين المساعدة كالخروج من السوق بنظام الإفلاس وإصلاح منظومة المحاكم والتقاضى وتنفيذ الأحكام والشهر العقارى بالتنسيق مع وزارة العدل- الاهتمام بالترويج القطاعى المنظم بعد حصر ودراسة الفرص الاستثمارية لدى الوزارات القطاعية، وتفعيل دور بنوك الاستثمار التى لديها قواعد بيانات كبيرة من المستثمرين فى قطاعات مختلفة)، السياسات المالية (إصلاح المنظومة الضريبية والجمركية وسلوك موظف الضرائب والجمارك – ترشيد سياسات الإنفاق فى غير محله وتقليل عجز الموازنة- تدبير موارد مالية من خارج الموازنة العامة للإنفاق على مشروعات البنية الأساسية وتحسين الخدمات التعليمية والصحية وتشجيع نظم المشاركة مع القطاع الخاص فيها)، السياسات النقدية (مراجعة أسعار الفائدة لتشجع على الاستثمار – إعادة النظر فى سياسة البنوك الاستثمارية لتقلل من اعتمادها على الاستثمار فى سندات وأذون الخزانة- عودة الاهتمام بكوادر الائتمان القطاعية وتنميتها- وتأهيل إدارات متخصصة للإقراض الصغير والمتوسط- دخول البنوك كمستثمر فى القطاعات الاستثمارية الجاذبة كمستثمر لتتشارك المخاطر مع المستثمر بدلاً من كونها مجرد ممول ينتظر الانقضاض على المستثمر فى أى وقت فور تعثره- إعادة هيكلة قروض المتعثرين وتحويل جزء من هذه القروض إلى استثمارات – خلق ما يسمى «القروض الصناعية»، حيث تتراوح فى بعض الدول من 4- 7%؛ تشجيعاً للصناعة).. السياسة الصناعية (تعميق القيمة المضافة وربط حوافز التصدير بتعميق الصناعة وزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية – توعية المنتجين بأهمية الاستفادة من الاتفاقيات التجارية لزيادة الصادرات – ووضع أهداف طموحة لأرقام التصدير مع تقديم حوافز مالية وغير مالية)..
وتكمن أهمية تشجيع الاستثمار المباشر طويل الأمد من خلال (الإنفاق الاستثمارى على مشروعات جديدة – الإنتاج المرتبط بالتصدير – نقل المعرفة والتكنولوجيا)، وزيادة الإنتاج والتوظيف والتوسع فى المشروعات القائمة للحد من البطالة وزيادة الموارد الجمركية والضريبية.. فكلما زادت الاستثمارات المحلية والأجنبية زادت موارد الدولة.. ويأتى تشجيع وزيادة الاستثمار المحلى سواء بالتوسع أو استثمارات جديدة على سلم الأولويات؛ لأنه يمثل 65- 70% من إجمالى الاستثمار الموجود على مدى السنوات العديدة الماضية، كما انه مرآة المستثمر الخارجى وأول مروج له..
إن خلق بيئة اقتصادية واستثمارية تنافسية ومستدامة لم يعد رفاهية بل هو محور رئيسى من محاور التنمية…
ولعل دمج الاستثمار والتعاون الدولى من الفرص التى يمكن أن تخلق سيناريوهات جيدة لخلق بيئة استثمارية مشجعة، وكذلك زيادة حجم الفرص الاستثمارية الجادة والمدروسة… وسوف نفرد لها مقالة فى الحلقة القادمة..
وما نبغى الا إصلاحاً