لماذا لم يتوقع الاقتصاديون ثورات الربيع العربى؟


بقلم: حسن حاكميان
جاءت الذكرى السادسة لثورات الربيع العربى، ومرت العام الجارى دون ملاحظة من الكثيرين، وعلى عكس السنوات الماضية، لم يكن هناك فيض من التعليقات على الأحداث الصاخبة التى هزت العالم العربى، وبدت كخطوة واعدة فى سبيل تحول الأنظمة السياسية.
وبالطبع، فإن كل ما هو جديد يصبح قديماً مع الوقت، ولكن ضعف الاهتمام فى ثورات الربيع العربى يعكس تحولاً أعمق، وهو تبدد الأمل فى أنظمة سياسية جديدة وأكثر تمثيلاً للشعوب، نتيجة تحول الثورات الوليدة إلى ثورات مضادة، وحروب أهلية، ودول منهارة، وتطرف دينى متزايد.
ومثلها مثل أى حدث مهم، أثارت الثورات أسئلة جديدة وصعبة، وأحد أبرز تلك الأسئلة هو لماذا فشل الاقتصاديون فى توقع الاضطرابات؟
ولا يعد توقع الاضطرابات السياسية أمراً سهلاً، ولدى الاقتصاديين سجل غير مبهر، عندما يتعلق الأمر بتوقع حتى الأزمات الاقتصادية، ولكن الفشل فى التنبؤ هذه المرة ربما يعكس مشكلة أعمق تتعلق بالافتراضات الاقتصادية وأطر عملها.
وقبل وقت قصير من سقوطهم، كانت قلة من الاستبداديين العرب يمتدحون من قِبل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى لنجاحهم المزعوم فى تطبيق السياسات الاقتصادية «الصحيحة».
ويعد الاعتراف اللاحق بالخطأ من قبل البنك الدولى مؤشراً واضحاً على أن هناك مشكلة فى السياسات التى وصفوها للأنظمة العربية القديمة.
وهذا يثير مجموعة من التساؤلات الأخرى ألا وهى: هل كان الاقتصاديون يركزون على المؤشرات الخاطئة؟ هل ضللتهم الاستدلالات المزيفة؟ أم أنهم لم يكونوا منتبهين كفاية إلى المخاطر المحتملة؟ وباختصار، هل كانت مشكلة بيانات أم تحليل؟
ويعكس الفشل فى توقع الثورات السياسية، على الأقل جزئياً، أوجه القصور المفاهيمية، نظراً إلى أن مفاهيم الاقتصاد الرئيسية تميل إلى التركيز على السلوك التوازنى للأشخاص والذى يقوده الاختيار العقلانى عندما تكون هوامش الربح والتكلفة متعادلة.
ومن الواضح أن هذا الإطار المفاهيمى غير كافٍ للتعامل مع الثورات الاجتماعية والسياسية التى من الصعب وصفها كتغيرات هامشية.
وهناك أبعاد تجريبية لهذا الفشل فى التنبؤ، فالعديد من البيانات رسمت صورة محببة نوعاً ما للموقف الاقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخلال العقد السابق لقيام الثورات، حققت اقتصادات المنطقة معدلات نمو كبيرة فى الناتج المحلى الإجمالى السنوى الحقيقى تتراوح من 4% إلى 5%.
ولكن هذه المكاسب لم يظهر تأثيرها بسبب نمو عدد السكان الذى صاحبها، وتراوحت معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى للفرد بين 2% و2.5%، ومع ذلك، شكل هذا تحسناً كبيراً عن فترة الثمانينيات والتسعينيات عندما تخلفت اقتصادات المنطقة بقدر كبير عن المناطق الأخرى.
وعلاوة على ذلك، كان هناك تحسن فى مؤشرات التنمية البشرية فى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالحكم من خلال المعايير التقليدية، كان عدم المساواة يتراجع فى بعضها، فعلى سبيل المثال، كان معامل جينى يتراجع فى مصر، ورغم قلة البيانات، كانت معدلات الفقر، التى كانت بالفعل عند أدنى مستوياتها مقارنة ببقية العالم النامى، تتراجع فى بعض الدول التى اجتاحها الربيع العربى خاصة تونس.
واستفادت دول المنطقة من سنوات الأسعار الدولية المحببة للبترول – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – خاصة فى الفترة من 2002 إلى 2008 عندما وصلت الأسعار إلى ذروة تاريخية عند 147 دولاراً للبرميل، كما استفادت من الارتفاع الحديث فى دورة الأعمال.
وبالطبع، لم تكن جميع البيانات جيدة، فعندما اندلعت الثورات، كانت هناك أسباب كثيرة للأشخاص العاديين، خاصة الشباب، والمثقفين من الطبقة المتوسطة، لكى يشعروا بأنهم مهمشون سياسياً، وكانت البطالة، خاصة بين الشباب، مرتفعة للغاية، ولم يكن الاستبداديون معروفين بإعطائهم أولوية كبيرة للعدالة الاجتماعية.
ومع ذلك، لا تزال الحقيقة باقية بأن دول المنطقة كانت تمر بتحسن نسبى فى الرفاه، ولم تكن تعانى انكماشاً أو ركوداً عندما قامت الثورات، وهذا يخالف المعتقدات التقليدية التى تربط الثورات الشعبية بالصعوبات الاقتصادية، وتفترض أن فترات الرخاء النسبى ترتبط بهدوء الجماهير.
ووفقاً لعالم الاجتماع الأمريكى جايمس سى دايفز، فإن الثورات، مثل الثورة الروسية فى 1917 والمصرية فى 1952، تحدث عندما تنعكس الفترات الطويلة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مفاجئ وحاد، بمعنى آخر، الثورات لا تقوم فقط بسبب الصعوبات الاقتصادية، وإنما أيضاً الإحباط نتيجة الفرق بين التوقعات، والواقع يوقظ الشعوب.
ويشير الربيع العربى إلى أن تحسن الأداء الاقتصادى لا يمكن أن يؤخذ كبوليصة تأمين ضد عدم الاستقرار السياسى، وتعلم هذا الدرس قد يساعدنا على تجنب عدم توقع الثورات السياسية المستقبلية، بل إنه قد يمكنا من تجنب خيبة الأمل واليأس التى جلبها الربيع العربى.

 

 

إعداد: رحمة عبدالعزيز

المصدر: موقع بروجكت سينديكيت

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2017/04/11/1006831