ما أشبه اليوم بالبارحة. لم تمض شهور قليلة على الانفجار الذى ضرب الكنيسة المرقسية بالعباسية فى شهر ديسمير الماضى حتى فُجعنا بتفجيرين جديدين فى مدينتى طنطا والإسكندرية بينما كان الأقباط يحتفلون بذكرى أحد السعف. اغتالت يد الإرهاب الآثمة فرحة الأقباط وحصدت أرواح زكية من أبناء الوطن ورجال الشرطة الأبطال. وامتزج الدم المسيحى مع الدم المسلم فى ملحمة تجسد أعلى درجات الوحدة الوطنية. فهل يُرخى الإرهاب الأسود ظلالها ثقيلة على اقتصاد مصر المنهك عبر عقود طويلة من الحروب والأزمات والمؤامرات؟ هل يتبدد الأمل فى زيادة الاستثمار الأجنبى على خلفية إعلان حالة الطوارئ فى مصر لمدة ثلاثة أشهر؟
بادئ ذى بدء، لا تنحصر ظاهرة الإرهاب في مصر ودول الشرق الأوسط فحسب، بل امتدت خلال عام 2016 و2017 إلى دول أخرى لم تعرف الإرهاب منذ عقود طويلة مثل فرنسا والمانيا وبلجيكا والدنمارك وتركيا. أغلب الدول التى تعرضت لهجمات إرهابية عانت من الانعكاسات السلبية التى خلفتها الأحداث بصور متفاوتة. على سبيل المثال، تعرضت فرنسا خلال عام 2016 إلى خسائر مالية كبيرة نتيجة تراجع السياحة الأجنبية بسبب الأحداث الإرهابية التي ضربت البلاد خلال العامين السابقين حيث تمثل إيرادات السياحة نحو 7.5% من إجمالي الناتج القومي. وتصل خسائر تركيا إلى 12 ملياردولار أمريكي بسبب التفجيرات الإرهابية. كما أثرت الهجمات الإرهابية فى بروكسل، بشكل ملحوظ على عائدات قطاع السياحة في بلجيكا.
وفى ضوء المخاطر المتوقعة نتيجة تصاعد العمليات الإرهابية، وافق مجلس النواب المصرى على فرض حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر. وبذلك يعود إلى حيز النفاذ مرة أخرى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، الذى أصدر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتم تطبيقه طوال فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
البعض لديه قلق بالغ من من تأثير إعلان حالة الطوارئ على الاستثمار وأسواق المال لأن الظروف الاستثنائية ربما تؤثر على رغبة المستثمر فى ضخ استثمارات فى ظل ظروف أمنية غير مستقرة، بينما قد يفكر المستثمر الحالى فى الخروج من السوق إلى أسواق أخرى أكثر استقراراً. ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لن يؤثر سلباً على الاستثمار بدليل أن قانون الطوارئ تم العمل لسنوات طويلة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك ولم يتأثر الاستثمار، بل وصل معدل النمو إلى 7.1 فى المائة، والاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بنهاية عام 2010 نحو 36 مليار دولار أمريكى ومعدل البطالة نحو 8.9 فى المائة.
تشير التوقعات إلى تأثر بعض القطاعات كرد فعل لإعلان حالة الطوارئ. من المتوقع أن تشهد البورصة تاثيراً محدوداً. أما التأثير على السياحة، فهو رهن حيادية ما تنقله وكالات الأنباء العالمية والقنوات الإخبارية واسعة الانتشار للعالم الخارجي. فالتهويل فى تصوير ما يحدث فى مصر على أنه موجة ارهابية خارج سيطرة الدولة سيكون له تأثير سيئ للغاية على تدفق السياحة إلى مصر. ولكن حتى الآن لم يتبين بعد انعكاسات الأحداث على الغاء حجوزات الأفواج السياحية، إلا أن خبراء السياحة تراودهم شكوك حول السياحة الروسية، لربما اتخذ الجانب الروسى التفجيرات الإرهابية للكنائس فى مدينتى طنطا والإسكندرية ذريعة للمماطلة في استئناف الحركة السياحية إلي مصر.
فى رأيي أن اعلان حالة الطوارئ إجراء ضرورى فى ضوء التهديدات التى تفرضها الأحداث الجارية لمكافحة الإرهاب. ولكن يجب أن تلتزم الدولة بالمدة المحددة لسريان حالة الطوارئ وتنفيذ المهام الأمنية بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، مع ضرورة مخاطبة العالم الخارجى بما تم انجازة حتى تصل الرسالة بوضوح وشفافية وتبعث الطمأنينة للجميع بما فيهم المستثمر الأجنبي.
الارهاب ظاهرة عالمية لا يوجد حل جذري وفوري لها. قد يستغرق الأمرسنوات طويلة لعلاج أسباب الإرهاب على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني. ولكن إلى أن يتم القضاء على هذه الظاهرة الخطير، يظل الاقتصاد رهينة تحت مقصلة الارهاب.
[email protected]
***