الأسواق الناشئة تكافح لإزاحة نظيرتها الغربية للتحكم فى عجلة النمو العالمى
يبدو أن العالم يواجه رد فعل عنيفاً ضد العولمة؛ حيث كان هناك موجة متزايدة من المعارضة لها فى جميع أنحاء العالم، وأيضاً من الحمائية التجارية الواسعة الانتشار التى بدورها سوف تبطئ نمو التجارة العالمية.
ولكن رغم ذلك تكشف البيانات والنظريات قصة مختلفة، فالعولمة الاقتصادية لا تزال القاعدة الأساسية. والواقع أن محرك العولمة قد تحول من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات الناشئة.
وأوضحت دراسة جديدة أجراها متخصصون فى الأعمال والسياسة إلى جانب الأوساط الأكاديمية نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن الدول الناشئة ينبغى عليها أن تواصل فتح أسواقها واغتنام الفرص التى ستحققها الجولة القادمة من العولمة.
وذكرت «فاينانشيال تايمز»، أنه على مدى عقود ظهرت حركات مناهضة للعولمة، وهو الأمر الذى أثر على التقدم العالمى.
ولكن الدراسة أوضحت أن الموجة الحالية المناهضة للعولمة تشبه الانتكاس الإقليمى والدورى فى هذه المرحلة بالذات بين البلدان الغربية.
وعلى الرغم من تأثير الاقتصادات الغربية بشكل كبير على العالم فإنَّه يبدو أن القوى الصاعدة تنظر إلى العولمة بشكل مختلف تماماً.
بالإضافة إلى ذلك من وجهة نظر متوسطة وطويلة الأجل تشير البيانات إلى أن تأثير الغرب قد يكون ضعيفاً؛ حيث ظلت التجارة كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى ثابتةً فى العالم فى الفترة من 2011 إلى 2015.
وعلى الرغم من تباطؤ متواضع فى تجارة السلع العالمية المقومة بالدولار، فإنَّ جزءاً كبيراً من هذا الانخفاض يمكن أن يكون وهماً إحصائياً؛ نظراً إلى تأثير قوة الدولار والعوامل المتداخلة مثل خفض اعتماد الولايات المتحدة على الطاقة الأجنبية، وانخفاض أسعار السلع على المدى الطويل.
وعلاوة على ذلك، ففى السنوات السبع التى أعقبت الأزمة المالية فى عام 2008 نمت تجارة الخدمات العالمية بوتيرة أسرع من الناتج المحلى الإجمالى، وارتفعت مساهمة تجارة الخدمات فى الناتج المحلى الإجمالى من 12.5% فى عام 2008 إلى 13% عام 2015، الأمر الذى عزز النمو الاقتصادى العالمى، وزاد من فرص العمل.
وفى تدفقات رؤوس الأموال يتعافى الاستثمار المباشر الأجنبى العالمى، أيضاً، بقوة وعلى الرغم من انخفاضه إلى 1.2 تريليون دولار عام 2014، فإنَّه سرعان ما ارتد إلى 1.76 تريليون فى 2015، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية.
وبلغت عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية 4.9 تريليون دولار فى عام 2015، متجاوزة بذلك مستوى عام 2007 البالغ 4.6 تريليون دولار، وقدم دليلاً قوياً على توسع الشركات المتعددة الجنسيات فى سياق العولمة.
ومن الواضح أن هناك شكوكاً فى العولمة ومعارضة لها فى مواجهة الصعوبات والمخاطر الاقتصادية العالمية مثل النزاعات المتعلقة باللاجئين والصراعات الإقليمية، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية مثل اتساع الفوارق فى الدخل والبطالة.
ويمكن رؤية المشاعر المعادية للعولمة فى الغرب تطفو على السطح فى السياسة، فالبلدان الغربية تسعى إلى الحماية الذاتية مع تقلص قدرتها التنافسية فى العالم.
وأوضحت الصحيفة، أن توزيع العمالة والاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج فى السلسلة الصناعية العالمية إلى جانب التقدم التكنولوجى أدت إلى حدوث نقلة فى الصناعة التحويلية التى تشكل جوهر الاقتصاد الحقيقى إلى البلدان النامية.
وعلى الجانب الآخر، شهدت الطبقات الوسطى والدنيا فى البلدان المتقدمة فقدان الوظائف أو ربما تخفيضات فى الأجور، ولذلك فهى الخاسر الأكبر فى العولمة، خاصة بعد أن زاد القلق والغضب من الأمراض المعدية وانتشارها بسرعة إلى جانب تفاقم الوضع بسبب أزمة اللاجئين فى أوروبا، وتهديدات الإرهاب التى خلقت جمهوراً كبيراً من السياسيين الراغبين فى استغلال السخط العام.
وفى الوقت الذى تُظهر فيه الاقتصادات الناشئة مزيداً من الاهتمام والقدرة على المشاركة فى الحوكمة العالمية، فإن قوة الغرب الذى تلبسته الأزمات آخذة فى الانخفاض والانسحاب من الساحة العالمية.
وفى ظل هذه العوامل، قال المعلقون الغربيون، إن العولمة التقليدية قد وصلت إلى نهايتها، وينبغى أن يكون هناك نظام تجارى جديد مثل آلية التجارة الإقليمية التى تخدم مصلحتهم وتبقيهم على رأس اللعبة.
إن التقدم فى الإنتاجية الاجتماعية والتكنولوجيا يعنى أن اتجاه العولمة لا رجعة فيه، ومع ذلك وبسبب الاختلافات فى الموارد الوطنية وتوجهات السياسة العامة أدت العولمة إلى بعض النتائج السلبية، ولذلك فإن النظام القديم للعولمة الذى تهيمن عليه البلدان الغربية متقدمة النمو لا يمكن أن يفى بالطلب الحالى ومن ثم، فإن رفع مستوى الإدارة العالمية وتحول العولمة، فضلاً عن بدء جولة جديدة منها باتت أمراً وشيكاً.
وكانت كلمة الرئيس الصينى شى جين بينج، فى مؤتمر دافوس الاقتصادى يناير الماضى قد جذبت الاهتمام العالمى، حيث تخطط أفكاره الرئيسية إلى حد ما مسار العولمة الجديدة من تطوير نموذج نمو ديناميكى يحركه الابتكار واتباع نهج جيد ومترابط لوضع نموذج للتعاون المفتوح والمفيد للطرفين إلى جانب وضع نموذج متوازن ومنصف وشامل للتنمية.
وتستفيد الصين من تنمية العولمة والاقتصاد المفتوح الذى يسهل التجارة والاستثمار، وفى ظل هذه الخلفية شهدنا شيئاً لم يسبق له مثيل فى السنوات الأخيرة؛ حيث حاول القادة الصينيون والمسئولون الحكوميون ورجال الأعمال والعلماء فى كل مناسبة اقناع نظرائهم الغربيين بالثقة فى العولمة.
إن جولة العولمة الجديدة التى اقترحتها الصين تشدد على أن جميع البلدان لديها فرص متساوية للمشاركة بغض النظر عن حجمها وقوتها وتقاسم النتائج الإيجابية من خلال التبادل التجارى والتعاون الاستثماري.
وينبغى أن تعكس الحوكمة العالمية بشكل معقول مطالب جميع الأطراف من حيث القواعد والمفاهيم، وعلى الرغم من أن القوى الكبرى توفر المنافع العامة العالمية، فإن جميع البلدان ملزمة بتقاسم الثمار والمنافع بإنصاف.
ومن المتوقع أن يواصل الغرب توخى الحذر إزاء الجولة الجديدة من العولمة.
وفى ظل غياب المنافع العامة الاقتصادية والمالية العالمية أصبحت مبادرة «طريق الحرير» أكبر منتج عام توفره الصين الصاعدة وهو ما يجسد فكرتها الرئيسية المتمثلة فى تعزيز الانفتاح الاقتصادى فى العصر الجديد.