بالطبع لا أقصد إهانة العم «سام»، وأشكره من صميم قلبى على عطفه علينا طوال العقود اﻷربعة الماضية بعد أن غمرنا بحنانه ودولاراته. غير أنى أقصد بـ«طز» هنا دعوة لعدم المبالاة كثيراً بشأن المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر التى نعلم جيداً أنها ليست «لوجه الله»، أو من أجل «سواد عيون مصر». فالواقع هو أن هذه المساعدات تحكمها لغة المصالح المشتركة والحسابات الدبلوماسية بين البلدين.
يدور الحديث، مؤخراً، بين السياسيين والمهتمين بالشأن الاقتصادى عن التسريبات فى أروقة البيت الأبيض التى تلمح باقتراح تقدمت به إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن خفض قيمة المساعدات الاقتصادية التى تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية إلى مصر بنسبة 47.4 فى المئة لتصل إلى 75 مليون دولار بدلاً من 142.7 مليون دولار. ومصر ليست الدولة الوحيدة التى سيطولها هذا الإجراء، بل سيمتد إلى عدة دول أخرى منها الأردن واليمن. فيا ترى هل تبدى مصر القلق إذا ما تم بالفعل إصدار هذا القرار؟ وما هى المساعدات الأمريكية التى تحصل عليه مصر؟ وما هو البديل عن هذه المساعدات؟
تسعى الإدارة الأمريكية إلى خفض الموازنة الإجمالية لوزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأكثر من 30 فى المئة. لذلك اقترحت أن تخفض المساعدات الاقتصادية الخارجية لحلفاء الولايات المتحدة بنسب متفاوتة، بينما لن تتأثر بعض الدول بالقرار المزمع اتخاذه ومنها إسرائيل والعراق. ويفسر المحللون أن الإدارة الأمريكية عازمة على تنفيذ شعار «أمريكا أولاً» وتوجيه الأموال الناتجة عن تخفيض المساعدات الاقتصادية إلى مصلحة المواطن الأمريكى فى الداخل.
تعود المساعدات الأمريكية إلى عصر الرئيس الراحل أنور السادات عام 1978، عندما منح الرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر حزمة سنوية من المعونات الاقتصادية والعسكرية التى تحولت لاحقاً فى 1982 إلى منح لا ترد. وتنقسم المساعدات إلى معونة عسكرية قيمتها مليار و300 مليون دولار، ومعونة اقتصادية قيمتها 142.7 مليون دولار.
وتجدر الاشارة إلى أن المعونة الاقتصادية كانت قيمتها 800 مليون دولار، ثم تم تخفيضها إلى 250 مليون دولار، إلى أن أصبحت حالياً 142.7 مليون دولار.
وتتولى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مسئولية إدارة المعونة، حيث يتم ضخها فى برنامج المشروعات الإنمائية، وبرنامج التحويلات النقدية، وبرنامج الاستيراد السلعي.
ربما تثير نوايا الإدارة الأمريكية تخفيض المساعدات الاقتصادية القلق وخصوصاً أن توقيت تسريب الخبر مدعاة للتعجب، لا سيما أنه جاء فى أعقاب الزيارة الناجحة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للولايات المتحدة، وعقده سلسلة من اللقاءات الناجحة على الصعيدين السياسى والاقتصادي.
والحقيقة إننى أنظر إلى هذا الموضوع بقليل من الاهتمام ينبع من تفسيرى للدوافع خلف هذا القرار. بالتأكيد أن مصر ليست مقصودة بحرب خفية تديرها الإدارة الأمريكية، وأن أداة العقاب هى تخفيض المساعدات الاقتصادية؛ لأن دولاً أخرى سوف يطولها سيف الإجراءات «التقشفية»، كما أن دولاً أخرى ستنجو من هذه الإجراءات، وأخرى قد تنال قسطاً أكبر من المساعدات الاقتصادية.
إن القيمة التى سوف يتم اقتطاعها من المساعدات الاقتصادية إذا تم بالفعل تطبيق القرار تبلغ نحو 67.7 مليون دولار، ولا تمثل مبلغاً ضخماً، بل إن الدول الخليجية الشقيقة قد بدأت بالفعل فى تزويد مصر بمساعدات اقتصادية تفوق قيمتها هذا المبلغ.
ولكن أرى، مثل غيرى من المتابعين، أن الأهم من الناحية الاستراتيجية هو المساعدات العسكرية بقيمة مليار وثلاثمائة مليون دولار. ولا يخفى على الجميع أن هذه المعونة العسكرية حيوية للغاية؛ حيث إنها توجه إلى دعم قدرات القوات المسلحة المصرية بما تشمله من تزويد قطع غيار للأسلحة الأمريكية وخصوصاً سلاح الطيران.
وفى الختام أرى أن الانزعاج من أنباء خفض الولايات المتحدة للمساعدات الاقتصادية الممنوحة لمصر لا يجب أن يأخذ أكبر من حجمه، ولا يفسر على أنه عقاب على المواقف المصرية، أو نتيجة الخلافات مع الإدارة الأمريكية.
[email protected]