وقعت الولايات المتحدة على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادى العام الماضى، وبعد ذلك، قررت عدم تطبيقها، أما الـ11 دولة الأخرى الموقعة على الاتفاقية فقد أمهلت نفسها حتى نوفمبر القادم، لكى تقرر إذا ما كانت ستمضى قدماً فى هذه الاتفاقية أم لا.
وفى الواقع، لا تحتاج تلك الدول ولا حتى نصف هذا الوقت لكى تقرر، لأن الاتفاقية بوضعها الحالى دون الولايات المتحدة أفضل من عدمها.
وعلى عكس التحذيرات من بعض الصحف والاقتصاديين، لن يقتل بالضرورة غياب الولايات المتحدة الاتفاقية، وأول أمر سوف يضطر المفاوضين القيام به هو تغيير المادة التى تقول بأن الاتفاقية يجب إبرامها من قبل الدول التى تشكل 85% من الناتج المحلى الإجمالى لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 12 دولة، وتشكل الولايات المتحدة وحدها 60%، أما باقى النصوص التى تتعلق بشكل محدد بالولايات المتحدة يمكن أن يتم تجاهلها أو تعديلها، وبالتالى إذا كانت الدول الإحدى عشر الباقية ترغب فى استكمال الاتفاقية، فيمكنها ذلك.
وتتردد بعض الدول المشاركة، مثل ماليزيا وفييتنام، وزار رئيس وزراء فييتنام البيت الأبيض الأسبوع الماضى، وقال إنه قدم تنازلات بموجب هذه الاتفاقية فقط، لكى يحصل فى المقابل على دخول أفضل للسوق الأمريكى الهائل.
وبعيداً عن بعض المجالات مثل المنسوجات، والأحذية، وبعض قطع غيار السيارات، كان السوق الأمريكى مفتوح إلى حد كبير، وبدون الولايات المتحدة سوف تقدم التجارة الموسعة داخل المنطقة منافع أقل، ولكن الاتفاقية لاتزال لها فوائدها.
وفى الحقيقة، فإن العديد من الأمور التى يطلق عليها تنازلات تم منحها أثناء المفاوضات لا تتطلب تضحيات مقابلة، لكى يكون لها معنى، بل هى فى الأساس لا قيمة لها وهى قائمة بذاتها، فعلى سبيل المثل، تتطلب اتفاقية الشراكة عبر الهادى أن تقوم اليابان بإصلاحات فى قطاعها الزراعى، وفى حال فيتنام، سوف يتعين عليها إصلاح قطاعاتها المملوكة للحكومة.
وتتفهم الحكومات المعنية، أن هذه التغييرات ضرورية لزيادة الإنتاجية ورفع المستويات المعيشية لشعوبها، ولكن هذه الإصلاحات تواجهها تحديات سياسية، وبالتالى يمكن استغلال الاتفاقية الشراكة عبر الهادى للضغط فى سبيل تنفيذها.
بمعنى آخر، تحتوى الاتفاقية على بنود أخرى بخلاف تخفيض التعريفات الجمركية، وتقدم اتفاقية الشراكة عبر الهادى ما يشبه كتيب تعليمات يضع معايير لممارسة الأعمال عالمياً فى القرن الواحد والعشرين، ويغطى الملكية الفكرية، والتجارة الرقمية، والحماية البيئية، وإذا تم تطبيق هذه المعايير سوف يتهافت آخرون على الأرجح للانضمام إلى الاتفاقية، وسوف تشعر كوريا الجنوبية وإندونيسيا، أنه لا مفر من الانضمام، كما ستنظر الدول خارج منطقة المحيط الهادى إلى قواعد اتفاقية الشراكة عبر الهادى باعتبارها توجيهات حول كيفية الحفاظ على التنافسية.
وسوف تكون الولايات المتحدة هى الطرف الخاسر الوحيد فى هذا السيناريو، لأنها سوف تخسر مكاسب تجارية كانت ستجنيها من هذه الاتفاقية، كما سوف يقل نفوذها فى الاتفاقات التجارية المستقبلية مع كندا واليابان والمكسيك.
وعلاوة على ذلك، سوف تضطر بعض الشركات الأمريكية إلى نقل عملياتها إلى واحدة من الدول الاعضاء فى اتفاقية الشراكة عبر الهادئ للاستفادة من الامتيازات التى اكتسبها المفاوضون الأمريكيون فى الأساس، وإذا حدث هذا الأمر، فقد تطلب الولايات المتحدة العودة إلى الاتفاقية.
واقترحت ماليزيا طريقة مختلفة للمضى قدماً، ولكنها أكثر إرهاقاً وهى إعادة التفاوض على الاتفاقية، ولكنها نصيحة غير موفقة، حيث انها ستصعب الأمور على دول مثل اليابان ونيوزيلاندا التى أقرت بالفعل بنود الاتفاقية فى برلماناتها، وبالتالى فإن إعادة التفاوض سوف تؤخر التطبيق إلى ما بعد نهاية العام الجارى.
ومن الأفضل إحصاء ما تم إنجازه واستكمال البناء عليه، ومما لا شك فيه ان الاتفاقية ستشكل نجاحاً أصغر، مما كان يأمل مهندسوها، ولكنه لايزال نجاحاً ملحوظاً.
افتتاحية وكالة أنباء «بلومبرج»
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»