بقلم: ديفيد فيكلينج
انسوا أمر مضيق هرمز، فالمكان الحقيقى الذى سوف تتجلى فيه المعركة السياسية الطاحنة بين السعودية وقطر يقع على بعد 5500 كيلو متر فى الجنوب الشرقى، وهو مضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا.
وهذا لأن مركز جاذبية سوق البترول يقع فى آسيا هذه الأيام، ففى وقت قريب حتى حرب العراق فى 2003، شكلت الولايات المتحدة وأوروبا اكثر من نصف واردات العالم من البترول، وانخفضت هذه الحصة الآن لأكثر قليلا من الثلث، نتيجة ثبات واردات دول شمال الاطلنطى بينما ارتفعت واردات الصين والهند وكوريا الجنوبية والفلبين.
ويعد موقف الشركاء التجاريين الرئيسيين لقطر، وهم اليابان وكوريا الجنوبية والهند وتايوان، عاملا حاسما فى نجاح الحصار، وتذهب أكثر من نصف صادرات الإمارة من الغاز الطبيعى المسال إلى تلك الدول الأربع أو حوالى الثلثين إذا أضفت الصين وتايلاند.
ولمعرفة كيف سوف تسير الأمور، من الجدير ملاحظة آليات سوق الغاز فى آسيا، ودراجات الاعتماد المتفاوتة على قطر ومنافسيها العرب.
وتعد اليابان أكبر وجهة تصديرية لقطر وتشترى حوالى خمس غازها المتداول، ومع ذلك، فإن استراليا وماليزيا اهم مورديها للغاز الطبيعى المسال، وشكلت الإمارة 17% فقط من الواردات فى 2015، و12% فقط فى الشهور الماضية، وعلى النقيض، تشكل إمدادات السعودية حوالى 40% من واردات البترول إلى اليابان.
ويزداد التفاوت بسبب حقيقة أن اليابان ينقصها البترول ولكن يتوافر لديها الكثير من الغاز، وتعمل محطات إعادة الغاز المسال إلى حالة الغاز بـ44% من طاقتها مقارنة بـ88% فى مصافى البترول، بالتالى إذا اختارت شركة «جيرا كو» اليابانية استغلال اللحظة للضغط فى سبيل مطالبها منذ وقت طويل لإعاد التفاوض على شروط عقود الغاز مع قطر للبترول، فسوف تحظى باتفاق هائل لقوة موقفها على المدى القصير.
ولن تكون هذه المرة الأولى التى تمتد فيها أثار السياسات فى الشرق الأوسط إلى قطاع الطاقة اليابانى المحلى، نظرا لتعثر اندماج توسطت فيه الحكومة اليابانية بين المصفاتين «شوا شيل سيكيا»، و«ادميتسو كوسان كو» العام الماضى، بعدما عارضت الأخيرة الصفقة متعللة بروابط «شوا» مع السعودية.
ومع ذلك، لا تزال قطر تمتلك بعض اوراق اللعب الرابحة، فرغم أن قيمة وحجم تجارة قطر من الغاز تصغُر بالمقارنة بواردات آسيا من البترول، فإن مستهلكى الغاز الطبيعى المسال ينبغى أن يكونوا حكيمين بشأن استغلال الحصار.
وحتى فى دولة مثل اليابان، حيث يشكل توليد الطاقة من البترول حصة ضخمة من سوق الكهرباء، فإن فقدان إمدادات الخام سوف يرفع الأسعار على المصانع والسائقين، وعلى النقيض سوف يتسبب فقدان إمدادات الغاز الطبيعى المسال فى انقطاعات للتيار الكهربائي.
واستنادا إلى هذه الخلفية، فإن شركات المرافق فى آسيا من غير المرجح أن ترغب فى إفساد العلاقات مع مورد أساسى من خلال استغلال مصائبه، خاصة بعد ترسيخ هيمنة قطر على سوق الغاز المسال فى أبريل الماضى بعدما قررت رفع الحظر عن تطوير حقل الشمال.
وهناك نقطة أخرى، تعد اليابان حالة فريدة فى آسيا فيما يتعلق بتنويعها لموارد الغاز الطبيعى، بينما تعتمد تايوان والهند على قطر فى حوالى نصف وارداتهم من الغاز، تليهم كوريا الجنوبية بنسبة 36%.
وفى نفس الوقت، تعد الهند والصين مشترين رئيسيين للبترول الإيرانى، ما سوف يجعلهم على الأرجح غير راغبين فى اتخاذ مواقف فيما سيعد بالأخير نزاع أعمق بالوكالة بين الرياض وطهران.
وبالتالى فإن القوى على الجانبين القطرى والسعودى متوازنة، وأى لاعب يريد أن يخل بهذا التوازن من خلال استغلال الأزمة الحالية ليضغط من أجل مصلحة فى الموطن عليه أن يفكر مليا قبل أن يتخذ هذه الخطوة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»