بقلم/ روبين إن ميلز
قال وزير الطاقة السعودى خالد الفالح: «سنقوم بما يتطلبه الأمر».
هذا ما قاله الوزير السعودى.. لكن الاتفاق على مد التخفيضات فى 25 مايو الماضى لم يكن حماسيا بالقدر الكافي. وإذا لم تقم رابطة الدول المصدرة للبترول «اوبك»، بالتحرك بشكل حاسم، فهى تواجه عملية استنزاف بطيئة لإعادة التوازن إلى السوق.
ولكى تتحرك بحسم أمامها طريقان إما تخفيض أكثر عمقا بكثير للإنتاج، أو التزام طويل المدى لإنتاج أعلى بحيث يردع المنافسين.
وكما أشار كاتب مقالات الرأى فى «بلومبرج»، جوليان لي، فإن التخفيضات الحالية ضئيلة للغاية مقارنة بالمرات السابقة. فالتخفيضات السابقة بلغت 4 إلى 5 ملايين برميل يوميا. اما الحالية فهى 1.7 مليون برميل يوميا. ويصبح الرقم حتى أقل إبهارا عندما تدرك ان هذه المرة الأولى التى تحظى فيها «الأوبك» بتعاون حقيقى (وإن كان جزئيا) من منتجين رئيسيين من خارج المنظمة.
وتم تقديم مقترحات للتلاعب بالسوق، منها خطة «جولدمان ساكس»، لمحاولة قلب الأمور وتخفيض الإنتاج بشدة. ولكن هذه الاستراتيجية تتطلب دقة وتنسيقا مستحيلين فى الوقت الحالي. ففى داخل الأوبك، لا تستطيع ليبيا ونيجيريا التحكم فى مستويات إنتاجهما، أو القيام بأى التزامات معقولة.
وعلاوة على ذلك، وبعد إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني، تستعد إيران لبيع حقل أذربيجان العملاق الجديد للمستثمرين الدوليين. ولن يرتفع الإنتاج الإيرانى بقدر كبير الآن.. لكنها بالتأكيد لن ترغب فى دراسة مزيد من التخفيضات.
اما العراق فتستأنف تطوير بعض حقولها الرئيسية.
ولم يكن سلف الفالح، على النعيمي، الذى صرف من الخدمة فى مايو 2016، يرغب فى تكرار تجربة الثمانينيات، عندما جفت تقريبا صادرات السعودية فى محاولة يائسة للدفاع عن السعر عندما ظهر الإنتاج من بحر الشمال والمكسيك والاسكا.. وكان يأمل أن انخفاض الأسعار بحدة لفترة ما سيقضى على تهديد البترول الصخري. ونجحت استراتيجيته جزئيا، ولكنها لم تُعط الوقت الكافي.
وعلاوة على ذلك، فإن المملكة ليست فى مزاج لحرب الأسعار، وستستغرق خطة التحويل الوطنية، سنوات حتى تظهر آثار حقيقية فى تنويع الاقتصاد بعيدا عن البترول. كما أن إعادة إقرار البدلات والمكافآت للموظفين الحكوميين والجيش، تزيد الشكوك فى الانضباط المالي.
وتراجعت صافى الأصول الأجنبية السعودية دون 500 مليار دولار فى أبريل للمرة الأولى منذ 2011. كما ان تصاعد التوترات مع إيران منذ زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرياض، بددت الآمال بانتهاء الحرب فى اليمن أو تراجع الإنفاق على الأسلحة.
وبالتالى فقد تخلت السعودية عن استراتيجية النعيمى لصالح تخفيضات محدودة فى الإنتاج، وهو ما أشعل المنافسة من جانب البترول الصخرى والمنتجين من خارج الأوبك عندما قدم أرضا للسعر حول 50 دولارا للبرميل.
وتمكنت النرويج والمنتجين فى المياه العميقة، من تخفيض تكاليفهم بحدة. ولكن لم يلحظهم احد بسبب الضوضاء التى اثيرت حول البترول الصخري.
وبما ان «اوبك» فشلت فى وقف فيضان رءوس الأموال إلى قطاع البترول الصخرى فى المدى القصير، فربما يمكنها ذلك على المدى البعيد. كما يمكنها أيضا إعاقة الاستثمار فى المشروعات التقليدية مرتفعة التكلفة والتى تستغرق وقتا طويلا للانتاج. ويمكنها أيضا التشجيع على رفع الطلب، وتثبيط التكنولوجيات المنافسة مثل السيارات الكهربائية.
كما يمكنها تقديم إجابة إلى المعضلة «ماذا سيحدث عند انتهاء مدة التخفيضات، على افتراض أن المخزونات حينها سوف تعود إلى المستويات الطبيعية؟».
واستنادا إلى نهجها الحالي، ستواصل الأوبك التخفيضات الحالية – أو تعمقها إن امكن – لمدة محددة، ولكنها بعد ذلك ستلتزم بالتحول بشكل مطرد نحو رفع الإنتاج وبالتالى ستنخفض الأسعار مجددا.
وإذا كان 60 دولارا للبرميل هو «الرقم السحري» كما يشير مستثمر فى حوض بيرميان، فيتعين إذن على المنتجين فى «الأوبك» إبقاء السعر دون هذا المستوى. وهذا سيكون مشابها لمقترح «جولدمان ساكس»، ولكنه لن يعتمد على محاولة التلاعب فى منحنى أسعار العقود الآجلة، أى انه يتعين على «أوبك» استخدام الهراوة وليس المشرط.
وهذا الالتزام يتطلب خط إنتاج جديدا من البترول، بجانب إعادة هيكلة الاقتصادات المصدرة للبترول حتى تنجو، ومثل هذه الخطة ستكسب السعوديين ولاء أعضاء مثل إيران والعراق، وغير الأعضاء مثل روسيا التى لديها طموحات لرفع الإنتاج.
وبالطبع هذا النهج سترفضه الدول الأضعف فى منظمة الاوبك، وخصوصا فنزويللا، ولكن لن يكون بيدهم حيله.
وهذا النهج يحمل مخاطر مثل تفكك منظمة الأوبك، ولكن كذلك تفعل استراتيجية تمهيد الطريق أمام البترول الصخرى من خلال تخفيضات طفيفة لا هى تعزز الأسعار ولا تُكسب حصة سوقية.
والوعد بالقيام بما يلزم يتطلب تفكيرا جريئا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»