معجزة الاقتصاد البرازيلى تسقط فى بئر فساد النخبة


6.4 مليار ريال برازيلى حكم الرشا فى القضايا قيد التحقيق
مجموع احكام السجن للمتهمين تزيد على 1400 سنة
بدء التحقيق فى فساد كل الرؤساء السابقين الذين مازالوا على قيد الحياة
قانون صفقة التبرئة مقابل كشف شركاء الفساد وراء زيادة حالات الادانة
الرئيس البرازيلى الحالى متورط فى قضية رشوة ب15 مليون ريال
ضربت الفضيحة الرئاسية صميم النظام الحاكم فى البرازيل لكن الدوافع التى تغذى الرشوة سيكون من الصعب القضاء عليها وإليكم القصة..
عندما دخل عضو البرلمان البرازيلى رودريجو لوريس مطعم بيتزا شهير فى ساو باولو فى اواخر شهر ابريل الماضى، لم يتمكن من معرفة انه كان على وشك اثارة ازمة سياسية خطيرة جدا، الأمر الذى قد يعجل بسقوط رئيس البلاد ميشيل تيمر.
ففى ظل مراقبة الشرطة الفيدرالية التى تدير التحقيقات فى الفساد السياسى فى البرازيل، استخدم لوريس المرحاض قبل الذهاب إلى موقف السيارات حيث تلقى اتصالا من شخص يقود سيارة مازيراتى الرياضية يدعى ريكاردو سعود، وهو مسئول تنفيذى فى شركة جيه بى اس، أكبر شركة لحوم مصنعة فى العالم.
ثم شوهد السيد لوريس وهو يسير بعيدا حاملا حقيبة بها 500 الف ريال برازيلى (153 الف دولار) وهى الدفعة الأولى من الرشوة المزعومة التى تبلغ قيمتها 15 مليون ريال برازيلى من شركة جيه بى إس يسترك فيها مع الرئيس تيمر، وفقا للوثائق المودعة لدى المحكمة العليا.
المفأجاة أن سعود كان يتعاون مع الشرطة كجزء من واحدة من أكبر الصفقات التفاوضية فى التاريخ البرازيلي، التى تضم سبعة من كبار المسئولين التنفيذيين فى جيه بى إس ومقرها ساو باولو وهى تتبع للشركة القابضة جيه آند اف.
ويقول احد المديرين بمطعم كاميلو للبيتزا رفض الكشف عن هويته: إنه أمر لا يصدق، هؤلاء الرجال كانوا يقومون بأعمالهم القذرة هنا.. فهى قاتلة.

أضاف أن الشرطة أخبرته قبل العملية بأنهم يريدون استخدام كاميراته الأمنية للقبض على الأشخاص الذين يستغلون الأطفال جنسيا.
وأرسلت التحقيقات فى قضية رشوة «جيه بى إس» حكومة يمين الوسط التى يقودها تيمر الى دوامة الموت بحسب المحللين وقد تحطمت الأسواق فور الإعلان عن القضية، حيث باع المستثمرون اصولهم بعد أن اشتروا وعود الرئيس الجديد فى تنفيذ برنامج إصلاح طموح لإنقاذ أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية من أسوأ ركود بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز.
وقد ضربت فضيحة الرشوة المتهم فيها رئيس البلاد وشركة جيه بى إس صميم الفساد السياسى والمحسوبية لصالح شركات، مما ادى الى تسمم محاولات البلاد للاستفادة من كامل إمكاناتها لتحقيق النهضة الاقتصادية.
وبالنسبة لاستقلال النيابة البرازيلية بشكل متزايد ولو جزئيا، والشرطة الاتحادية والقضاة، فإن صفقة جيه بى إس تمثل انتصارا جديدا فى معركتهم الممتدة منذ ثلاث سنوات لمعالجة الفساد المستشري.

وتركز التحقيقات التى بدأت مع تحقيق فى قضية اخرى لشركة البترول الوطنية بتروبراس، وأكبر مجموعة للبناء تابعة لها وهى أوديبريشت، على شركة جيه بى اس هو أحد المستفيدين الرئيسيين من القروض العامة المدعومة.
لكن الأسئلة التى لم يتم الرد عليها هى ما إذا كانت النتائج المذهلة لهذه التحقيقات، التى تورطت فيها بنسبة كبيرة النخبة السياسية، ستنتهى فى نهاية المطاف إلى تفكيك العلاقة الفاسدة بين الحكومة والأعمال التجارية الكبرى، أو ما إذا كانت ستترك الدوافع التى تؤدى إلى الرشوة دون التخلص منها.
وعلى الرغم من سلسلة من التحقيقات التى كشفت عن نظام من المحسوبية الراسخة بين النخبة التجارية والنظام السياسى الحاكم الا أن ثقافة الفساد أثبتت أنها صعبة التغيير.
وقال سعود، فى شهادته للمدعين العامين، إن شركته أنفقت ما يقرب من 600 مليون ريال برازيلى على الرشا لنحو 1829 مرشحا يمثلون 28 حزبا فى انتخابات مختلفة. ومن بين هؤلاء، تم انتخاب 167 عضوا فى مجلس النواب بالكونجرس، و28 عضوا فى مجلس الشيوخ، و16 عضوا من حكام الولايات. وبجانب التحقيق مع تيمر، يجرى البحث فى ملفات جميع رؤساء البرازيل السابقين والحاليين الخمسة الذين هم على قيد الحياة بخصوص قضايا تتعلق بالفساد.
وقال باولو سوتيرو مدير المعهد البرازيلى وودرو ويلسون الدولى للباحثين إن البرازيل تعيش عصر فساد النظام السياسى، مشيرا الى ان اعضاء الكونجرس يبيعون خدماتهم لمن يدفع اكثر لتحقيق مصالح ذاتية تماما لا علاقة لها بمصالح وطنهم مما انهك البلاد ويجب التخلص من هذا الفساد الآن.
الأخوان باتيستا
وتثير قصص صعود الشركة الصغيرة الشكوك فى ظل نخبة حاكمة فاسدة فقد تأسست شركة جيه بى اس كمجموعة جزارة صغيرة تخدم أطقم العمل أثناء أعمال البناء فى مدينة برازيليا فى الخمسينيات من القرن الماضي، وازدهرت المجموعة خلال حكم 13 عاما من حزب العمال اليسارى، حيث تولى لويز ايناسيو لولا دا سيلفا رئاسة البرازيل بين عامى 2003 و2010. وقد كان دى سيلفا حريصا على بناء أبطال وطنيين مثل نموذج الشركات المملوكة للدولة فى الصين أو كوريا الجنوبية.
وابتداء من عام 2007، استثمر بنك التنمية البرازيلى 8 مليارات ريال برازيلى فى أسهم شركة جيه بى إس لتصل حصتها الى 21.3%. كما قدمت القروض المباشرة وغير المباشرة بنحو 4 مليارات ريال برازيلى وهى قروض مدعومة جزئيا للمجموعة. وارتفعت الإيرادات من 4 مليارات ريال برازيلى فى عام 2007 إلى 170 مليار ريال برازيلى فى العام الماضي. ودخل الأخوان اللذان يديران الشركة، جوسلى ويسلى باتيستا، بعد ادراج الشركة فى البورصة فى عام 2007. فى فورة الاستحواذ وتنوعت انشطة الشركة القابضة جى آند اف بداية من اللب وصولا الى الورق واشترت حصة مسيطرة فى ألبرجاتاس.
ولم تكن شركة جيه بى اس الشركة الوحيدة التى حازت قروضا مدعومة وبفائدة بسيطة تضاعف حجمها خمس مرات خلال 10 سنوات حتى وصل العام الماضى حجم قروضها الى 876 مليار ريال برازيلى ومن بينها شركات اودبريشت وبيتروباس وابمرير ثالت اكبر شركة بناء طائرات تجارية فى العالم وكذلك شركة امبيف الذراع البرازيلية لأكبر شركة انتاج بيرة فى العالم «أيه بى إنبف».
وقال ماركوس ليسبوا، رئيس جامعة إنسبير، إن الحكومة البرازيلية اعترفت بتقديم إعانات كبيرة من قروض بنك التنمية الوطنى خلال السنوات السبع الماضية على غرار التمويل الذى قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لأوروبا خلال خطة مارشال لإعادة اعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن بين احصاءات الفساد التى شهدتها البرازيل ان الشرطة شنت 767 حملة على منازل ومكاتب متهمين بالفساد وتم توقيع 155 اتفاق تصالح مقابل المساعدة فى كشف الفساد. كما ادانت المحكمة 139 شخصا وصل مجموع احكامهم بالسجن الى 1415 سنة. ووصل مجموع الرشا فى القضايا التى حققت فيها الشرطة الى 6.4 مليار ريال برازيلي.
ويقول سيرجيو لازاريني، وهو مؤلف كتب عن المحسوبية فى الرأسمالية البرازيلية إن الأحزاب السياسية فى الائتلاف الحكومى يمكن أن تمارس نفوذا على القرارات فى بنك التنمية الوطنى وشركة بتروبراس المملوكة للدولة، وصناديق المعاشات التقاعدية للقطاع العام وغيرها.
واضاف ان الشركات الخاصة تريد الاستفادة من هذا الوضع فهى تريد الحصول على هذا المال وهذه الفرص، لذلك تذهب للتحالف بشكل استراتيجى مع الحكومة واشار الى أن تطبيق المزيد من الصرامة فى قروض بنك التنمية الوطنى والبدء فى إغلاق صنبور الأموال سيحد بالفعل من الفساد.
بداية السقوط
ظهر الحجم الحقيقى لنظام المحسوبية فى البرازيل بعد خليفة لولا دا سيلفا، الرئيسة المعزولة ديلما روسيف، بعد مواجهتها موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات فى عام 2013 ضد الإنفاق الحكومى على ملاعب لكرة القدم لكأس العالم 2014. وقد ردت من خلال إدخال إصلاحات لمكافحة الفساد، بما فى ذلك تعزيز قدرة المدعين العامين على تقديم صفقات لمسئولين بالإعفاء من العقوبة مقابل الكشف عن الفساد فى مؤسساتهم.
فى عام 2014، بدأت الشرطة الاتحادية والمدعون العامون استخدام هذه الصلاحيات فيما أصبح يعرف باسم «لافا جاتو» وهى جملة تعنى غسيل السيارات والمقصود بها التحقيق فى الرشا فى الشركات بداية من شركات البناء الى المديرين التنفيذيين السابقين فى بتروبراس والسياسيين. ثم جاء التحقيق فى أودبريشت، التى وافقت فى اكبر صفقة من نوعها فى العالم على تسوية قضية رشوة مقابل دفع 3.5 مليار دولار بعد الاعتراف بدفع 788 مليون دولار امريكى من الرشا فى 12 بلدا.
ويقول أوسكار فيلهينا، مدير كلية الحقوق بجامعة ديريتو اس بى إن الإصلاحات القانونية مكنت مكتب النيابة العامة من استخدام أداة جديدة فائقة الكفاءة لمكافحة الجريمة المنظمة.
وتورط فى صفقة أوديبريشت وحدها جزء كبير من الكونجرس وثلث مجلس وزراء حكومة تيمر، الذى تولى السلطة العام الماضى بسبب اتهام السيدة روسيف بانتهاك الميزانية وسط استياء شعبى واسع النطاق حول الفساد والانكماش الاقتصادى حيث عزلها البرلمان.
وفى الوقت نفسه، بدأت فروع «غسل السيارات» مثل اوبريشن جرينفيلد، التحقيق فى المعاملات المزعومة الفاسدة من قبل شركات المعاشات التقاعدية الحكومية والمتورط فيها مجموعات أخرى، بما فى ذلك جيه بى اس المتهمة ايضا بإعطاء رشا للمفتشين الصحيين فى فضيحة اخرى ظهرت فى وقت سابق من العام الحالى تعرف باسم «اللحم الهزيل» ومع بدء تشديد الخناق قرر الأخوان باتيستا أن يراهنا على كل شيء من خلال توقيع صفقة مع المدعين العامين ووعد بتقديم جائزة أكبر للجميع فى اشارة الى إدانة الرئيس تيمر!.
فى وقت متأخر من ليلة 7 مارس من هذا العام نصب جوسلى باتيستا فخ حيث توجه إلى مقر إقامة تيمر فى قصر جابورو، لحضور اجتماع شارك فيه الاثنان لمدة 30 دقيقة، وفقا لوثائق المحكمة.
وقال رجل الأعمال باتيستا وفقا لمحادثة مسجلة أنه قدم رشوة للجميع بداية من مدعين عامين إلى قضاة ورئيس سابق لمجلس النواب ورد تيمر بصوت خافت بتشجيع عضو البرلمان لوريس على معالجة مشكلات باتيستا التجارية، وفقا لوثائق المحكمة.
التقى باتيستا لوريس بعد ستة أيام ووعده برشوة بقيمة 15 مليون ريال برازيلى له وللرئيس إذا تمكنا من حل صفقة الغاز لمحطات الكهرباء التابعة لشركة جيه بى إس.
وقد نفى تيمر ما جاء فى المحادثة ورفض الاستقالة. ويدعى محاموه أن شريط المحادثة تم التلاعب فيه بشكل انتقائى لتأطيره بشكل معين.
ويرى محللون ان استمراراه فى منصبه فى ظل التحقيقات سيشل برنامج الاصلاح الذى يهدف الى اصلاح المالية العامة من خلال اصلاح نظام المعاشات التقاعدية السخى فى البلاد.
وفى الوقت الذى تدور فيه الشائعات حول من يمكن أن يحل محله خصوصا وان تحقيقات الفساد تواصل صب حمم الغضب فوق الحرس السياسى القديم الذى حكم البرازيل منذ نهاية الديكتاتورية العسكرية منذ أكثر من 30 عاما.
ويقول سيرجيو فاوستو من مؤسسة فونداساو فرناندو هنريك كاردوسو إنه على مر السنين، أصبحت الأحزاب السياسية متصلبة وبدات تحقيقات «لافا جاتو» فى زيادة معدل الوفيات السياسية فى البلاد.
ولكن البعض الآخر يحذر من أن دور التحقيقات فى النهاية محدود فهناك حاجة إلى إصلاح سياسى لتغيير الدوافع التى تؤدى إلى فساد السياسيين فى البرازيل فعلى سبيل المثال، يقول معظم المحللين أنه يجب أن تكون هناك قواعد لمنع عدد كبير من الأحزاب السياسية الصغيرة فى الكونجرس فالبرازيل لديها 35 حزبا مسجلا.
ويسمح النظام للسياسيين الانتهازيين بإنشاء أحزاب للوصول إلى الأموال الحكومية التى يتم تخصيصها للأحزاب السياسية. ويمكنهم بعد ذلك بيع وقت تليفزيون مجانى يمنح أثناء الانتخابات لأحزاب أكبر وبعد انعقاد الكونجرس تحصل بعض الأحزاب الصغيرة على رشا من أجل دعم تمرير التشريعات.
وقال المحللون ان نظام التمثيل النسبى للبرازيل يسمح ايضا لعدد كبير من السياسيين بدخول الكونجرس دون دعم شعبى كبير فى حد ذاته. وفى الوقت نفسه، يحمى القانون السياسيين الفاسدين من خلال السماح للمحكمة العليا بطيئة الحركة بمحاكمتهم فى قضايا ارتكاب المخالفات بدلا من المحاكم التقليدية الاسرع فى التقاضي.
يقول السيد سوتيرو إنه بدون إصلاح سياسى يمكنك وضع 10 قديسين مثل الام تريزا بجوار 200 شخص مثل البابا فرنسيس بابا الفاتيكان فى الكونجرس وبعد شهرين سيتحولون الى اشخاص فاسدين فالنظام يخلق كل الدوافع الخاطئة.
ويرى منتقدون ان نظام التحقيقات الحالى يحتوى بذور الفشل لأن قانون التفاوض والصفقات لتبرئة المتهمين حال تعاونهم فى التحقيقات غير منصف، حيث ذكرت وسائل الإعلام البرازيلية أن الأخوان باتيستا سافرا الى نيويورك بالولايات المتحدة مما أثار غضب الرأى العام بعد أن أفلتا من السجن من خلال صفقة مع المدعين العامين.
كما نفذت شركة جيه بى اس تحويل صرف أجنبى قبل صفقة الكشف عن الرشا، متوقعة هبوطا حادا للريال مقابل الدولار وسط مخاوف بشأن برنامج الإصلاح مستفيدة من علمها بسير التحقيقات. وفتحت السلطات الرقابية للسوق البرازيلية خمسة تحقيقات فى المعاملات وقد نفت الشركة ارتكاب مخالفات.
وبالنسبة للبرازيليين العاديين، فإن هذه القصص لا تؤدى إلا إلى تأكيد عدم الثقة العميق فى السياسيين والأعمال التجارية الكبرى – وهو عامل سيكون له تأثير هام فى الانتخابات العام المقبل. وحتى الآن لا يوجد مرشحون واضحون ولكن من المتوقع أن يحقق السياسيون غير المعروفين أداء جيدا فبعد الفضائح التى طالت الرئيسة السابقة روسيف والرئيس الحالى تيمر، فإن البرازيليين يأملون فى حكومة تكنوقراط لمواجهة المشكلات الاقتصادية وتكون ذات مصداقية.
وفى حى جاردينز للأثريا بدأت فصول الدراما فى حكم تيمر، لا أحد يكتم انفاسه فأحد الزبائن ترك اكرامية فى مطعم بيتزا قال مازحا للمدير: انا لست مثل الأخوان باتيستا ولكن على عكس السياسيين على الأقل أنا أترك شيئا إضافيا من اجلك!.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: البرازيل

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://www.alborsanews.com/2017/06/08/1029981