أجمع اقتصاديون حتى وقت قريب، على أن اقتصاد الولايات المتحدة سيتجاوز المنافسين العام الحالي، مدفوعا بالتحفيز الاقتصادى من قبل دونالد ترامب فى البيت الأبيض والحزب الجمهورى فى الكونجرس.
ولكن «صدمات ترامب» الكثيرة قابلتها قصة اقتصادية مشرقة لمنطقة اليورو لعام 2017.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن النمو الاقتصادى فى منطقة العملة الموحدة، زاد أكثر من الضعفين فى الربع الأول من 2017 مقارنة بمستويات النمو فى الولايات المتحدة.. الأمر الذى أثار تساؤلات حول ما إذا كان انتعاشها مجرد بريق عابر أم أنه أكثر ثباتا واستدامة.
وأعلن العديد من المستثمرين والاقتصاديين أن هذا الانتعاش الأخير فى منطقة اليورو مبنى بالفعل على أسس متينة.
قال بيتر برايت، كبير الاقتصاديين لدى البنك المركزى الأوروبي، إنه ثمة دفعة قوية بشكل كبير فى الاقتصاد الذى أظهر مرونة ملحوظة للصدمات الخارجية وتقليص سياسة التيسير الكمي، وانخفاض التضخم فى منطقة اليورو دون المستوى المستهدف.
ورغم الأزمة اليونانية فى 2015، فإن النمو الإجمالى فى منطقة العملة الموحدة قد تجاوز النمو فى الولايات المتحدة خلال العامين ونصف العام الماضيين مع توسع منطقة اليورو بنسبة 5.1% خلال هذه الفترة مقارنة بنسبة 4.6% للولايات المتحدة.
وأشار برايت، إلى وجود علامات تدعو إلى التفاؤل بشأن اقتصادات المنطقة، بعد أن نما الاقتصاد الإيطالى بنسبة 0.4% فى الربع الأول، فى حين قفز الناتج المحلى الإجمالى فى البرتغال بنسبة 1%.
ويعتقد الاقتصاديون فى القطاع الخاص أيضا أن الانتعاش سيغذى نفسه بنفسه. وقال إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين العالميين فى شركة «يونى كريديت»، إن الدفعة الأولى من انتعاش منطقة اليورو جاءت مدعومة بالصادرات.. وهى الآن تتوسع لتشمل القطاعات الأخرى مثل الاستهلاك وأيضا معدلات الاستثمار.
لكن أرنى بوهلمان، وريكارد تورن، لدى شركة «فوكوس ايكونوميكس»، قالا إنه رغم البيانات الإيجابية الواردة فإن منطقة اليورو لديها عقبات سياسية فى إشارة إلى انتخاب إيمانويل ماكرون، رئيسا لفرنسا الشهر الماضي، والانتخابات المقررة فى ألمانيا خلال سبتمبر المقبل.
وارتفعت توقعات النمو فى منطقة اليورو العام الحالي، من 1.4% فى الصيف الماضى إلى أكثر من 1.7% فى الوقت الراهن.
ويلاحظ معظم الاقتصاديين أن معدل النمو الحالى يعد أعلى من المعدل العادى لمنطقة اليورو، وهو ما يفسر أيضا استمرار انخفاض البطالة من 12.1% فى 2013 إلى 9.3% فى أبريل الماضى.
ويكمن السؤال المهم، فى كم من الوقت يمكن أن يستمر معدل البطالة فى دعم النمو دون زيادة الضغوط التضخمية. وهناك أمر آخر وهو ما إذا كان يمكن الحفاظ على النمو دون برنامج التحفيز النقدى للبنك المركزى الأوروبى وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية.
وقال ديفيد ماكي، الخبير الاقتصادى فى «جى بى مورجان» إن الأدلة المستمدة من البلدان التى كانت فيها الدورة الاقتصادية أكثر تقدما، تشير إلى بعض الأمور التى يحتاج واضعو السياسات فى منطقة اليورو، للعمل عليها بغرض تهدئة البيئة الاقتصادية.
وأشار إلى أنه ينبغى العمل على زيادة نمو الأجور والتضخم الأساسى فى العام المقبل.
وقد يؤدى ارتفاع معدل التضخم الأساسى فى الأجور الحقيقية بالعديد من البلدان إلى إقناع البنك المركزى الأوروبى بتأجيل أى تحرك فى السياسة النقدية حتى تقترب البطالة من مستويات معقولة.
وستركز مناقشات دول المنطقة، على ما اذا كان النمو ثابتا بما فيه الكفاية لبدء فطام منطقة اليورو عن البرنامج الاستثنائى لشراء المركزى الأوروبى للسندات.
واعترف المحللون بالتغير فى التوقعات.. لكنهم يفضلون الحذر، لأن عدم الاعتراف بقوة الانتعاش يهدد مصداقية البنك المركزي.
ويقول الاقتصاديون إن الانخفاض فى معدل التضخم فى مايو إلى 1.4% من 1.9% فى أبريل، أزال أى ضغط فورى على البنك المركزى الأوروبى للعمل.
وقال كين واترت، الاقتصادى لدى شركة «تيسى لومبارد» إن العلاقات التقليدية بين النمو والتضخم، يبدو أنها تفككت. وأضاف: «أستطيع أن أتخيل أن البنك المركزى الأوروبى احدث، أصبح أكثر ثقة فى النمو ولكن على جانب التضخم يبدو حذرا بما فيه الكفاية».
ومن المؤكد أن البنك المركزى الأوروبي، سيواصل شراء سندات بقيمة 60 مليار يورو حتى نهاية هذا العام. لكن نمو الاقتصاد بقوة يعزز اتخاذ قرار خفض مشتريات السندات فى 2018 ومن المتوقع أنه سيتم اتخاذه فى مرحلة ما فى وقت لاحق من العام الحالي.
وحذر الاقتصاديون من الافراط فى توقعات نمو منطقة اليورو، لأن منطقة العملة الموحدة لديها العديد من المشاكل الهيكلية التى تحتاج إلى الإصلاح.
وأوضحت الصحيفة أن إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو، لا تزال أيضا مصدر قلق على المدى الطويل، رغم تجاوز معدلات النمو فيها التوقعات.
وأضافت أن الاقتصاد الإيطالى لم يتكيف لأكثر من عقدين من الزمان مع العالم الحقيقي، وظلت المالية العامة هشة فى البلاد.