هناك شبه اجماع على أن ارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار أصبح هاجساً مخيفاً لدى قطاع كبير من العائلات المصرية فى الطبقة المتوسطة وما دونها بفعل مستويات التضخم القياسية التى تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود من الزمن. ولكن هل «بعبع» التضخم أصبح خارج السيطرة، أم أن هناك بصيصاً من الضوء فى نهاية النفق المظلم؟
سوف أتناول فى هذا المقال شرح التضخم بأسلوب مبسط ثم أتطرق إلى الوضع الراهن للتضخم فى مصر، وما هى التوقعات المستقبلية للسيطرة على معدل التضخم. وقد اعتمدت فى الشرح على المعلومات الواردة فى نشرات البنك المركزى المصرى.
التضخم هو المعدل الذى يرتفع فيه المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، وبالتالى فإن القوة الشرائية للعملة تأخذ فى الانخفاض. لا يأخذ هذا التعريف بعين الاعتبار نمو أسعار العقارات والأسهم، فهو يُعبر عن نسبة التغير فى أسعار المستهلكين. ويرجع السبب فى ذلك بالدرجة الأولى إلى تذبذب الأسعار نتيجة التغير فى الطلب من جهة والعرض من جهة أخرى. كما يمكن وصف التضخم أيضاً بأنه انخفاض فى قيمة النقد، فعندما تزداد كمية النقد المتداول بين أفراد المجتمع بسرعة أكبر من تزايد المنتجات والخدمات التى يمكن لأفراد المجتمع الحصول عليها حينئذٍ تفقد العملة قيمتها. هكذا تكون العلاقة بين حجم الكتلة النقدية المتداولة فى المجتمع والتضخم علاقة ارتباط مباشرة وقوية.
من أجل تبسيط مفهوم التضخم إلى القراء، عندما تذهب للتسوق وتجد قيمة ما تشتريه اليوم من سلع يقل عما كان تشتريه فى السابق بنفس المقدار من النقود، فهذا مؤشر سلبى يدل على انخفاض قيمة النقود، وهى الظاهرة يعرفها العامة باسم غلاء الأسعار وتعكس انخفاض قيمة النقود الحقيقية.
وللتضخم عدة أسباب أهمها ارتفاع تكاليف الإنتاج، أو زيادة حجم الطلب على العرض، أو زيادة الأسعار رغم انخفاض الطلب بسبب الاحتكار والجشع. غير أن ليس كل ارتفاع فى الأسعار يعد تضخماً. فقد يحدث التضخم الطبيعى نتيجة إصدار الدولة النقود دون توفر ما يقابلها من إنتاج، أو يحدث زيادة كبيرة فى الطلب لا تقابلها زيادة فى عرض السلع والخدمات، أو بسبب تراجع الإنتاج، أو انخفاض الطلب وارتفاع مستوى البطالة، وهو ما يُعرف بالتضخم الركودى.
تحاول البنوك المركزية الحد من التضخم، وتجنب الانكماش، من أجل الحفاظ على سلامة الاقتصاد. وتحتاج البنوك المركزية التى تتبنى استهداف التضخم كمنهج للسياسة النقدية إلى أن تقوم بحساب مقاييس التضخم الأساسى وفقاً لطريقة الاستبعاد التى تتبعها. لذلك يقوم البنك المركزى المصرى باستخدام الرقم القياسى لأسعار المستهلكين لقياس الأسعار التى يتم إعدادها ونشرها شهرياً من قبل الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وهو التغير فى مستوى الأسعار للسلع والخدمات فى أسواق التجزئة، بعد استبعاد السلع والخدمات المحددة أسعارها إدارياً والسلع الغذائية الأكثر تقلباً وهى الخضروات والفاكهة، بالإضافة إلى بعض السلع التى تتأثر بصدمات العرض المؤقتة.
وتعكس نشرة التضخم التى يصدرها البنك المركزى التضخم السنوي، وهو التغير فى مستوى الأسعار فى شهر ما مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. فى المقابل يمثل التضخم الشهرى التغير فى مستوى الأسعار من شهر لآخر، ومن ثم فإن معدل التضخم الشهرى يحتوى على التطورات الأخيرة التى تطرأ على مستوى الأسعار.
وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزى المصرى قد أعلن مؤخراً، أن معدلات التضخم الأساسية انخفضت إلى نحو %30.57، فى شهر مايو 2017، مقابل %32 فى شهر أبريل 2017، وأن التضخم الأساسى سجل معدلاً شهرياً بلغ نحو %1.99، فى شهر مايو 2017، مقابل %1.1 فى شهر أبريل 2017.
والشاهد هنا، أن معدلات التضخم ما زالت عالية جداً. لذلك يعتبر البنك المركزى المصرى وصندوق النقد الدولى أن تخفيض التضخم من أهم الأولويات للحفاظ على مستويات المعيشة للمواطنين؛ حيث إن المستهدف أن تصل فى المدى المتوسط الى أرقام أحادية.
يتم علاج التضخم باستخدام أدوات السياسة النقدية أو السياسة المالية للدولة، ويعتمد العلاج الملائم على مسببات التضخم.
والسياسة النقدية هى المعنية بالنقود والجهاز المصرفى والتى تؤثر على عرض النقود إما بزيادة حجمها وإما تقليصها فى حالة التضخم، ما يؤدى إلى انكماش فى الائتمان المصرفى عن طريق أسعار الفائدة من أجل امتصاص السيولة الزائدة عن طريق رفع أسعار الفائدة على الأوعية الادخارية. ويمكن أيضاً رفع نسبة الاحتياط القانونى وهى النسبة التى لا بد أن تحتفظ بها البنوك عن الودائع لدى البنك المركزى ولا يحصل مقابلها على فائدة.
والسياسة المالية تعنى تنظيم الدولة للبرامج الاقتصادية والتى تشمل الإيرادات أو النفقات. فالمطلوب هنا أن تقوم الحكومة بترشيد الإنفاق الحكومى وتحسين تحصيل الضرائب وفرض ضرائب جديدة لتخفيض الطلب الكلى ليتساوى مع العرض الكلى من السلع والخدمات.
لا يزال التضخم فى مصر يُشكل الشاغل الرئيسى للحكومة والمواطنين. وعلى الرغم من حدوث تحسن طفيف للسيطرة على معدل التضخم، فإن المواطنين مازالوا يعانون من ارتفاع الأسعار. ليس من المستحيل احتواء معدل التضخم فى مصر، ولكن على كل من البنك المركزى والحكومة أن يبذلا كل ما فى وسعهما لتطبيق التدابير المناسبة لتحقيق هذا الهدف فى أقرب وقت ممكن.
خبير مصرفى
[email protected]