بقلم: كويشى همادا
عندما أعلن دونالد ترامب، فى أول أفعاله كرئيس، ان الولايات المتحدة لن تشارك فى اتفاقية الشراكة عبر الهادي، افترض الكثيرون أن الاتفاق التجارى الإقليمى الضخم قد مات، ولكن مثل هذه الافتراضات كانت سابقة لأوانها.
وضرب إعلان ترامب فى يناير، قبل إبرام الاتفاقية مباشرة، المبادرة فى مقتل، ولكن الكثير من اللاعبين ذوى الصلة كانوا حريصين على منع اتفاقية الشراكة من الانهيار، وبدأوا فى مناقشة المضى قدما بدون أمريكا.
وبحلول مايو، أعلن رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، أنه رغم أنه لا يزال يأمل أن تعود أمريكا إلى اتفاقية الشراكة، فإن دولته سوف تقود الاتفاقية إلى الإثمار، وبعد وقت قليل، أعلنت اليابان ونيوزيلاندا عن رغبتهما فى التوصل لاتفاق مع الموقعين الآخرين بحلول نوفمبر.
وإذا نجحوا فى ذلك، فسوف يستفيد الموقعون على اتفاقية الشراكة عبر الهادى استفادة كبيرة، وسوف تكتشف الولايات المتحدة أنها أضاعت فرصة هائلة.
وبشكل عام، هناك طريقتان مختلفتان لتحقيق التجارة الحرة، أولا هناك النموذج العالمى الذى تجسده منظمة التجارة العالمية، وكانت الميزة الرئيسية لهذا النهج هى نطاقه الذى يضمن أن حصة هائلة من الاقتصاد العالمى مترابطة، وأن معظم الدول المشاركة تلتزم بقواعد مشتركة وتخضع لآلية موحدة لحل النزاع.
وربما كان النطاق هو نقطة الضعف الرئيسية لمنظمة التجارة العالمية بالنظر إلى صعوبة حمل الكثير من الشركات على الموافقة على مجموعة موحدة من القواعد، وربما هذا هو السبب الرئيسى لفقدان محادثات منظمة التجارة العالمية للزخم خلال مفاوضات الدوحة التى بدأت فى 2001 وانتهت دون اتفاق.
أما الطريقة الثانية لتحقيق تجارة أكثر حرية هى الاتفاقات ثنائية الأطراف، والتى لا تواجهها تحديات النطاق، وتتضمن دولتين أو أكثر قليلا، وتكون المفاوضات مباشرة وعادة تستغرق وقتا أقل، فعلى سبيل المثال، ضاعفت اليابان والاتحاد الأوروبى مؤخرا مجهوداتهما التى بدأت فى 2009، للتوصل لاتفاق ثنائى الأطراف، وقد ينتهون من المفاوضات قريبا، رغم استمرار الخلاف بشأن بعض النقاط الرئيسية القليلة.
ومع ذلك، فإن هذا النهج أيضا له مساوئ، فهو لا تقتصر فوائده فحسب على دولتين أو اكثر قليلا ولكنه أيضا يضر بالدول غير المشاركة، وفى حالة اتفاق اليابان والاتحاد الأوروبي، ستتضرر الولايات المتحدة، بالنظر إلى ان الشركات الأمريكية فى اليابان تنافس الشركات الأوروبية فى الكثير من القطاعات.
وتأتى اتفاقية الشراكة عبر الهادى التى تتضمن حاليا 11 دولة بعد انسحاب أمريكا، فى مكان ما بين الطريقتين، ومن المفترض ان تأمن أفضل ما فى النهجين السابقين، نظرا إلى أنه سوف ينتج عنها مكاسب اقتصادى اكبر من الاتفاقات ثنائية الأطراف حيث إنها ستعزز التجارة والتدفقات الاستثمارية بما فى ذلك تنسيق التنظيمات والمعايير عبر مساحات واسعة من الاقتصاد العالمي، ولكن على عكس منظمة التحارة العالمية، فإنها لن تتضمن مثل هذا العدد المتنوع من الدول الذى يجعل من الصعب جدا التوصل لاتفاق.
وما يفشل ترامب فى فهمه هو أن أى دولة صغيرة قد تشعر بالتهديد من الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات، فلا يزال بإمكانها الانسحاب، والأهم من ذلك، أنه حتى إذا استخدمت الولايات المتحدة ثقلها للحصول على شروط أفضل فى سياق التفاوض ثنائى الأطراف، فإن الفوائد لن تكون اكثر بالضرورة من الاتفاقات الأوسع نطاقا.
وهذه هى الحال فيما يتعلق باتفاقية الشراكة عبر الهادى التى تحتوى على بعض الشروط المفيدة للغاية للاقتصاد الأمريكي، خاصة الاتفاق الذى كان سيسمح للشركات الأمريكية بالدخول لأسواق كانت مغلقة بقدر كبير، كما كانت النصوص المتعلقة بالملكية الفكرية والمسائلة وحل الصراعات محابية لوول ستريت والمحامين الأمريكيين لدرجة أنه تم وصفها كنصوص غير عادلة بالنسبة للأطراف الأخرى.
واستنادا إلى ذلك، قال لى الأستاذ فى جامعة كولومبيا، جاجديش بجاواتي، «إن اتفاقية الشراكة عبر الهادى كانت تشبه السماح للأشخاص بلعب الجولف فى نادي، ولكن بشرط حضورهم فى كنيسة معينة أيام الآحاد».
ودخل الموقعون فى هذه الاتفاقية طمعا فى لعب الجولف وهو ما يمثل التوسع التجارى والتدفقات الاستثمارية، ولكنهم لم يتمكنوا من تجنب الالتزام بقبول القواعد التى تحابى الولايات المتحدة أملا فى أن هذا الطقس الدينى سوف يساعد فى تقويم السلوك الصيني.
والولايات المتحدة فريدة فى هذا السيناريو لأن لديها مصلحة وطنيها قوية فى كل من الجولف والكنيسة، والآن لن تحصل على أى منهما، وعندما تبدأ اتفاقية الشراكة عبر الهادى فى الازدهار بدون أمريكا، فسوف تتمنى الشركات الأمريكية عدم انسحاب ترامب منها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت
