تناولت فى مقالى السابق دور التعليم الفنى والتدريب المهنى فى كونهما يمهدان الطريق إلى التنمية الاقتصادية، فحينما نتحدث عن التنمية الاقتصادية فى أى دولة، فإننا يجب أن نتحدث عن ارتفاع معدلات الإنتاج، وحينما نتحدث عن معدلات الإنتاج، فإننا يجب ألا نغفل عنصر الكفاءة الإنتاجية.
لكنَّ المقالة السابقة لم ترسم خارطة طريق واضحة يمكن الاقتداء ببعض ملامحها بهدف الارتقاء بالتعليم والتدريب الفنى، فقد جاءت لتوضح أهمية العمالة الفنية، ودورها التنموى فى تحقيق التنمية الاقتصادية، وهو ما دفعنى لكتابة مقالة اليوم للتركيز على عددٍ من النقاط الرئيسية التى يمكن الاسترشاد بها.
فالعمل الفنى يتطلب مجهوداً ومهارة خاصة، ولا يمكن إغفال أن العمل الفنى المتمثل فى الأيدى العاملة اللازمة لقيام الثورة الصناعية هو أساس تقدم الدول، وهو المُدعِم الرئيسى لعملية التنمية الإنتاجية والاقتصادية، ودون الارتقاء بكفاءة العمل الفنى من خلال التدريب المهنى لن يتحقق النمو الاقتصادى لأى دولة.
فحينما نتحدث عن معدلات الإنتاج، فإننا يجب ألا نغفل عنصر الكفاءة الإنتاجية، فالجودة هى العنصر الأول المدعم للتنافسية، ويأتى السعر المنخفض للمنتجات كداعم لا يمكن إغفاله فى حالة الرغبة فى الوصول إلى تحقيق التنافسية.
وإذا ما نظرنا إلى الجودة، نجد أن مهارة العمالة هى المتحكم الرئيسى، وبالبحث عن طرق اكتساب العامل لمهارته نجدها تتحقق من خلال طريقين، هما جودة التعليم الفنى، ومهارات التدريب المهنى.
فقد أدركت الدول المتقدمة تلك المعطيات، فاهتمت بالتعليم الفنى، وعملت على رفع كفاءة الأيدى العاملة بالتدريب المهنى، وفى رأيى المتواضع أن منظومة التعليم الفنى والتدريب المهنى، يجب أن يتم ربطها باستراتيجية الإنتاج وتوجهات الاستثمار فى الدولة، فلن أستطيع أن أحدث تطوير فى أداء تلك المنظومة دون اكتمال الرؤية الشاملة للدولة، فلابد أن أحدد توجهاتى الاستثمارية والإنتاجية أولاً، وبناءً عليها أوجه جهودى نحو تطوير تلك المنظومة.
فاستراتيجية التعليم الفنى يجب أن تكون تابعة للخريطة الاستثمارية فى جميع الأنشطة الإنتاجية، وفقاً لمحافظات مصر، لا أن تكون مستقلة، ووفقاً لتوجهات تلك الخريطة، يجب أن نعيد هيكلة استراتيجية التعليم الفنى.
ويتسع قطاع العمالة الفنية ليشمل جميع الصناعات، وكل صناعة لها طبيعتها الخاصة، لكنَّ المتفق عليه أنه لا غنى عن التوسع فى التعميق التكنولوجى، لذا أرى أهمية للتوسع فى إنشاء المراكز التكنولوجية فى جميع المحافظات، بدلاً من فكرة إنشاء حاضنات الأعمال، وذلك كوسيلة للحث على تقديم الأفكار الجديدة، وجلب وتوطين التكنولوجيا وإفساح المجال أمام استقدام البرامج التكنولوجية الحديثة، ففكر حاضنات الأعمال قد يعطى شعوراً بالاستكانة، وعدم الرغبة فى الانفصال، ومن ثم عدم إتاحة الفرصة للغير للاستفادة من تلك الحاضنات.
بالإضافة إلى أهمية وجود مواصفات للصناعات الحرفية، وذلك بهدف تطوير التصميم ليصل إلى الجودة العالمية المطلوبة، ومن ثم يجد السبيل للتوسع فى فرص التسويق الخارجية، مع أهمية الربط بين الفرص التدريبية واحتياجات السوق.
ونظراً إلى تعدد مجالات العمالة الفنية، وعدم وجود أب شرعى يعمل على رعايتها، فأرى أن المطالبة بوجود مجلس قومى للحرف، بحيث يضم تحت مظلته جميع الجهات المعنية لتذليل عقبات هذا القطاع الحيوى، على أن يضم ممثلين عن الكيانات المؤسسية المعنية بالأنشطة الحرفية مثل: البحث العلمى، والتعليم الفنى، والتجارة والصناعة، والثقافة، والآثار، والتجارة الداخلية والتموين، والإنتاج الحربي، وأى جهة مؤسسية أخرى معنية، يعد مطلباً شرعياً، على أن يتم ربط دور هذا المجلس بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف تحقيق التوجهات التنموية للدولة.