الشركات تحكمت فى سوق التجزئة ورفعت اﻷسعار أكثر من الزيادة فى مدخلات الإنتاج
البنك يتوقع انخفاض الدولار إلى 16.5 جنيه بنهاية يونيو 2018
قال تقرير لبنك «بى إن بى باريبا»، إن انخفاض قيمة العملة المحلية كان عنصراً حاسماً فى زيادة اﻷسعار فى مصر بعد التعويم، لكن هناك عوامل هيكلية أخرى ساهمت فى زيادة التضخم.
وقال التقرير، إن هناك عناصر تفسيرية مهمة لتوضيح العوامل المؤثرة فى التضخم المرتفع هيكلياً فى مصر وحجم ضخامة الأسعار على مدى الأشهر الستة الماضية.
واستشهد التقرير، بدراسات تحليلية قام بها عدد من أعضاء كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة بجانب أعضاء من البنك المركزى للفترة بين 2003 و2015 تشير إلى أن الأثر المباشر لارتفاع أسعار السلع المستوردة يسهم بنسبة ضئيلة فى ارتفاع معدلات التضخم.
لكن الزيادة الأكبر تمر بصورة غير مباشرة؛ نتيجة زيادة أسعار السلع نصف المصنعة التى تؤثر على مدخلات الإنتاج، ومن ثم أسعار المستهلكين.
ووفقاً للمؤلفين، فإن هذا الانتقال ليس فورياً، ويستمر على مدى فترة سنتين أو أكثر، كما أن الزيادة لا يجب أن تنعكس بالكامل على الأسعار، نظراً إلى وجود العديد من السلع التى يتم التحكم فى أسعارها.
وعزت الدراسات، حدوث ذلك إلى وجود عدد قليل من المصنعين المحليين الكبار فى قطاعات السلع الاستهلاكية.
واستطرد التقرير: “إننا نجد أن عاملاً هيكلياً اخر كان له تأثير على معدلات التضخم، وهو تنظيم السوق خاصة مع انخفاض حدة المنافسة على مستوى السلع الاستهلاكية”.
وقال إن هناك أدلة قوية على أن بعض الارتفاع فى الأسعار فى أصناف معينة من السلع الاستهلاكية قد تتجاوز تغطية ارتفاع تكلفة السلع الوسيطة المستوردة بعد خفض العملة.
أضاف أن المنافسة المحدودة فى سوق السلع الاستهلاكية، وبالتحديد تجارة المواد الغذائية، هى المحرك الرئيسى للتضخم، مشيراً إلى أن الغذاء باستثناء الفواكه والخضروات المتقلبة موسمياً تمثل حوالى 34% من متوسط إنفاق الأسرة، و31% من سلة التضخم.
وذكر التقرير، أن السيطرة على قنوات التوزيع هى عامل رئيسى للمنتجين فى وضع استراتيجيات التسعير الخاصة بهم، مضيفاً أن الشركات قد تكون لها سيطرة مباشرة على جزء من قنوات التوزيع الخاصة بها أو توزع بشكل رئيسى من خلال المتاجر المحلية التى يكون لها فيها سيطرة أكبر على أسعار البيع.
وقال إن قطاع التجزئة الحديث يشهد توسعاً كبيراً فى ظل النمو السريع للسلاسل التجارية مع دخول عدد من شركات التجزئة للسوق المصرى لكن الشركات المنتجة تفضل القنوات التقليدية لتواجد منتجاتها فى محال التجزئة.
أضاف التقرير، أن منتجات الشركات متواجدة فى السوبر ماركت لكنها تسعى لخفض المعروض منها للحفاظ على قدرتها على التسعير، مشيراً إلى أن ضعف التنافسية فى السوق المحلى يمكن المنتجين من تنفيذ هذه الاستراتيجية.
ووفقاً للتقرير الأخير الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى عن التنافسية حلت مصر فى المرتبة 112 من أصل 138 دولة من حيث كفاءة السوق للسلع وفى المرتبة 127 من حيث شدة المنافسة المحلية.
وتابع: «المنافسة المحدودة فى سوق التجزئة للمستهلكين تفسر أيضاً استمرار التضخم المرتفع على مدى فترة طويلة، رغم دعم استخدام الطاقة الإنتاجية بشكل كامل».
وخلص إلى أن التوسع فى محلات السوبر ماركت الحديثة فى مصر قد يعزز المنافسة ويخفف من التضخم، ولكنه يهدد أيضا هوامش المنتجين.
واستبعد التقرير أن يكون تسييل عجز الموازنة، من خلال توسيع عرض النقود قد ساهم بصورة كبيرة فى ارتفاع معدلات التضخم، مشيراً إلى أن هذا السبب كان جوهرياً إلى حد ما فى عام 2015 ولكنه انخفض فى عام 2016، وبصفة أعم فإن السوق لا يشهد توسعاً غير متحكم فيه فى عرض النقود.
وارتفعت نسبة إجمالى السيولة المحلية إلى الناتج المحلى الإجمالى بمعدلات طفيفة من 76% أواخر 2014 إلى 80% خلال مارس2017
وقال البنك، إن معدلات الاستهلاك التى هى إحدى محركات النشاط الاقتصادى انكمشت بصورة كبيرة متأثرة بمعدلات التضخم فى أسعار المستهلكين القياسية التى سجلت على المدى المتوسط أكثر من 30% منذ يناير الماضى.
وأضاف أن تحرير سعر الصرف يتحمل جزءًا كبيراً من الزيادة الحادة فى معدلات التضخم بعد خفض قيمة العملة بأكثر من 50% مقابل الدولار.
وقال «بى أن بى باريبا»، إنه منذ نوفمبر الماضى فإن الزيادة فى أسعار المستهلكين كانت تدريجية أكثر من كونها فورية، ولكن كانت بمعدلات كبيرة، مشيراً إلى أن انخفاض قيمة العملة المحلية كان عنصراً حاسماً.
تعويم 2003 و2016
وقارن بين تعويم الجنيه فى 2003 وتعويمه العام الماضى وقال إنه بعد تعويم الجنيه الأول فى 2003 انخفضت قيمته مقابل الدولار بمعدل 13% بعد عام و25% بعد 20 شهراً، لكنه فى نوفمبر الماضى انخفض أكثر من 50% على الفور.
وأرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة الواردات للناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى 21% فى 2016 مقارنة مع 14% فقط فى 2003 متوقعاً أن يرتفع أكثر على المدى المتوسط بعد زوال عقبات توفير السيولة الدولارية التى وجدها المستوردون خلال السنة الماضية.
وتوقع التقرير انخفاض سعر صرف الدولار بنهاية السنة المالية الجارية إلى 16.5 جنيه، وكذلك انخفاض عجز الموازنة إلى 10.7% مقابل تقديراته لعجز الموازنة للسنة المالية المنتهية فى يونيو الماضى عند 11.5%.
ولفت إلى أن سياسة سعر الصرف فى البنك المركزى حتى الآن تركز على بناء احتياطيات العملة من أجل الحماية من التوترات المحتملة لكن التحسن الذى يشهده الجنيه حالياً قد يشير إلى تغيير هذه السياسة.
توقعات التضخم
وقال البنك فى تقرير له إنه على المدى القصير سيظل التضخم عند معدلاته المرتفعة متوقعاً أن تسجل فى المتوسط نحو 25% خلال السنة المالية 2017/2018 مقارنة بـ23.7% سجلتها خلال السنة المالية 2016/2017 وفقاً لتقديراته.
وتوقع التقرير، ارتفاع معدلات النمو خلال العام المالى الحالى إلى 4.5% مقابل 3.8% خلال العام المالى المنتهى يونيو الماضى.
ورجح «باسكل ديفو»، الباحث الاقتصادى فى البنك، أن يتسبب خفض دعم الطاقة والتضخم الناتج عن ارتفاع تكلفة الاستيراد والتعافى المحتمل للطلب المحلى فى استمرار الزيادة فى معدلات التضخم.
أضاف أنه يجب وضع ارتفاع أسعار الطاقة والأسعار العالمية للمنتجات الزراعية فى الحسبان رغم صعوبة استرداد أسعار النفط مستوياتها الطبيعية على المدى المتوسط.
وقال إن قدرة الحكومة والبنك المركزى على صد معدلات التضخم المرتفعة باتت محدودة، وأن فعالية آلية أسعار الفائدة مقيدة نتيجة انخفاض نسبة الشمول المالى حيث أن أقل من 15% من البالغين فقط يمتكلون حسابات مصرفية.
وقفزت معدلات التضخم إثر تحرير الجنيه فى نوفمبر الماضى من نحو 15% إلى 31.5% الشهر الماضى، نتيجة فقدان الجنيه نحو نصف قيمته خلال عملية إصلاح سوق الصرف.
وحاول البنك المركزى التصدى لزيادة اﻷسعار ورفع الفائدة بالفعل بنحو 7% خلال 10 شهور، لتصل أعلى مستوياتها فى ربع قرن.
وقال «ديفو» إن الموقف الاقتصادى فى مصر شهد تحسناً ملحوظاً بعد تحرير السعر الصرف فى نوفمبر الماضى، وجاء التحسن الأكبر فى الحسابات الخارجية وتحسن معدلات السيولة الدولارية كما هو متوقع، حيث ارتفعت احتياطيات النقد الأجنبى نحو 60% مقارنة بقبل التعويم لتسجل 31.3 مليار دولار بنهاية يونيو الماضى تغطى 6 أشهر من الواردات.
تحسن ملحوظ
وتوقع البنك، ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية إلى 40 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2017-2018 لتغطى 6.8 أشهر من واردات السلع الأساسية.
ووفقاً لتقديرات بى أن بى باريبا، فإن نسبة عجز الميزان التجارى من الناتج المحلى الإجمالى قد انخفضت إلى 2.9% ومن المتوقع أن تتراجع إلى 2.5% بنهاية العام المالى 2017-2018.
أضاف التقرير أن مصداقية نظام الصرف الجديد ساهمت فى جذب 10 مليارات دولار من استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومى مقارنة بأقل من مليار دولار حتى منتصف 2016، ونوه البنك إلى أن هذا الرقم ليس مدرجاً فى الاحتياطات الأجنبية الرسمية حيث يصنفها البنك المركزى على أنها تدفقات متقلبة.
أوضح أن التحسينات على جانب المالية العامة مازالت ضئيلة لكن الاتجاه العام حتى اللحظة إيجابى، حيث إن القرارات التى اتخذتها الحكومة وتشمل الخفض التدريجى للدعم على الوقود واستحداث القيمة المضافة ستؤدى لخفض العجز الأولى للموازنة العام المالى الماضى بأكثر من نصفها لتصل إلى 1.9% من الناتج المحلى الإجمالى مقابل 4.5% تم تقديرها فى موازنة العام 2015-2016.
وذكر البنك أن خدمات الدين مازالت مرتفعة وتتخطى الناتج المحلى الإجمالى مستحوذة على نحو 45% من إجمالى الإيرادات المالية أى أن عجز الموازنة سيظل أعلى من 10% من الناتج المحلى الإجمالى فى موازنة العام المالى الماضى.
وتوقع البنك انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى 82% خلال العام المالى الجارى مقارنة بـ94% فى العام المالى المنتهى فى يونيو الماضى.
ذكر البنك أن خفض دعم الطاقة خلال النصف الثانى من العام الماضى كانت له آثار على ارتفاع معدلات التضخم فى أسعار المستهلكين، حيث إن أسعار الوقود فى 2016 تضاعفت مقارنة بقيمتها فى 2014، فى حين ارتفعت أسعار الكهرباء بما يتراوح بين 29% و124% وفقاً لمعدلات الاستهلاك.