قد يكون لمصطلح التنمية المستدامة مدلولات عديدة ولكن لعل التعريف الأكثر وضوحًا ودقة يتمثل فى العمل على تلبية احتياجات الحاضر، دون الإخلال بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق الاحتياجات الخاصة بهم.
هذا ما أجمعت عليه منظمة الأمم المتحدة قبل نحو عام من الآن خلال قمة أممية تاريخية شارك بها قادة ورؤساء العالم والتى تضمنت مصر، حيث اعتمدت الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لسنة 2030 وأكد المشاركون التزامهم بالمشاركة الفعالة فى تهيئة المناخ المناسب لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام والمطرد، والذى يشمل ويوفر الفرص للجميع، مع مراعاة مختلف مستويات التنمية والقدرات الوطنية لكل دولة، وذلك من خلال تلبية الأهداف الـ17 التى تقوم عليها خطة التنمية المستدامة، وهى كالتالي:
• القضاء على الفقر
• القضاء التام على الجوع
• الصحة الجيدة والرفاه
• التعليم الجيد
• المساواة بين الجنسين
• المياه النظيفة والنظافة الصحية
• الطاقة النظيفة بأسعار معقولة
• العمل اللائق ونمو الاقتصاد
• الصناعة والابتكار والبنية الأساسية
• الحد من أوجه عدم المساواة
• مدن ومجتمعات محلية مستدامة
• الاستهلاك والإنتاج بمسئولية
• العمل المناخي
• الحياة تحت الماء
• السلام والعدل والمؤسسات القوية
• عقد شراكات لتحقيق الأهداف
لا شك أن جميع هذه الأهداف يحمل كل منها جدارة هائلة فى حد ذاته، ولكننى أود تسليط الضوء بصفة خاصة على الهدف الأخير وهو عقد الشراكات، إذ إننى على قناعة تامة أن التقدم الحقيقى والمستدام يمكن تحقيقه عن طريق تبنى شراكات فعالة بين أطراف يجمعها نفس القدر من الإرادة والعزيمة، حيث إن العمل الحقيقى على تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتوقف على التعاون المشترك والعمل الجماعى بين ما أطلق عليه المثلث الذهبى أو ثالوث القوة، والذى تتمثل محاوره فى الجهات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني.
إن الحكومات لديها القدرة والأدوات اللازمة لاستحداث وتفعيل الأطر التنظيمية لتمكين القطاع الخاص والمجتمع المدنى من العمل بكفاءة للتعاون فى قضايا محورية مثل التعليم والطاقة والبنية الأساسية. فى حين ينبغى على القطاع الخاص التركيز على الاستثمارات ذات المردود المجتمعى والبيئى والاقتصادى وإقامة المشروعات القادرة على خلق وتعظيم القيمة المضافة للمجتمع من خلال خلق فرص العمل ونقل المعرفة والخبرة وتوفير الحاجات والخدمات التى يحتاجها المواطنون إلى جانب تحقيق العائد المالى الجذاب. ومن جهة أخرى فإن دور المجتمع المدنى رئيسى لأنه يتمثل فى كونه حلقة الوصل بين القطاعين العام والخاص إذ إن المجتمع المدنى يمثل رمانة الميزان بين أضلاع ثالوث القوة.
أما عن تجربتى الشخصية من واقع عملى برئاسة قطاع التسويق والاتصالات لإحدى شركات الاستثمار الكبرى بالسوق المصرية، فقد لمست غياب الوعى بدرجة كبيرة على مستوى القطاع الذى أمثله، وهو نمط سائد على مستوى العالم وليس فى مصر فقط. فوفقا لتقرير مؤسسة Ethical Corporation لسنة 2016 تحت عنوان State of Responsible Business، وهو التقرير الذى يحتوى على استطلاع رأى 2045 متخصصا فى مجال التنمية المستدامة على الساحة الدولية (منهم 36% من ممثلى مؤسسات وشركات القطاع الخاص)، وجد الاستطلاع أن أكثر من نصف المشاركين ليست لديهم خطة مؤسسية واضحة للمشاركة الفعالة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهناك دراسة أخرى قامت بإجرائها إحدى الوكالات المعنية بقضايا التنمية المستدامة وجدت أن ضعف اهتمام القطاع الخاص بأهداف التنمية المستدامة أدى إلى حدوث حالة من انعدام الثقة فى تلك المؤسسات بين أبناء الألفية الجديدة، حيث إن أكثر من 80% من أبناء هذا الجيل يؤمنون بأن قطاع الأعمال ينبغى عليه لعب دور محورى فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
حقيقة أخرى توصلت إليها مؤسسة Ethical Corporation فى استطلاعها لآراء المشاركين من بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، أن تلك البلدان تعد أكثر تفاعلاً مع أهداف التنمية المستدامة عن نظرائها فى المناطق الأكثر تقدمًا بالعالم، إذ إن أقل مستوى للتفاعل رصده الاستطلاع فى أمريكا الشمالية بنسبة 37%، وهو ما يعكس أن الدول المتقدمة بينما تركز أكثر فأكثر على قضايا التغير المناخى على سبيل المثال، نجد أن بلدان القارة الأفريقية تعد أكثر انحيازًا للتركيز على الأهداف التى تمس المواطنين بصورة مباشرة مثل التعليم.
يأخذنى هذا إلى حال مصرنا الغالية، حيث بدأت الحكومة فى تطبيق إجراءات إصلاحية حاسمة من شأنها تعديل المسار الاقتصادى وتعزيز مناخ الأعمال سعيًا لترسيخ ثقة مجتمع الاستثمار فى الاقتصاد المصرى على المدى البعيد. وتتضمن تلك الإصلاحات على سبيل المثال تحرير سعر صرف الجنيه مطلع نوفمبر الماضى مما أدى إلى انخفاض الجنيه بنحو نصف قيمته مقابل الدولار، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع معدلات التضخم لمستويات قياسية خلال الأشهر الستة الماضية مما أثر قطعًا على معيشة المصريين من جميع طرقات الحياة.
و تعمل الحكومة جاهدة على دعم وتقوية برامج التكافل والإعانة المجتمعية مع خلق شبكات أمان اجتماعى للمواطنين البسطاء. وفى هذا الإطار حيث قامت الحكومة بإقرار حزمة أمان اجتماعى بقيمة 46 مليار جنيه لعام 2017/2018، ويشمل ذلك جزءًا مخصصًا لبرامج كفالة الطبقات الكادحة التى عز عليها مجاراة متطلبات الحياة، بالإضافة إلى 15% زيادة بالمعاشات ومخصصات الدعم النقدى المباشر وحوافز العاملين بأجهزة الدولة، فضلاً عن زيادة الحد الأدنى للإعفاءات الضريبية.
وبرغم المبادرات العديدة فى شتى مجالات المسئولية المجتمعية والاستدامة والإسهامات البارزة من مجتمع الأعمال المصرى والمجتمع المدنى إلا أن تأثير وكفاءة هذه المبادرات بحاجة الى المراجعة والتنسيق فى إطار تحقيق رؤية مصر 2030 وتلبية الأهداف الـ17 التى تقوم عليها خطة التنمية المستدامة 2030 لمنظمة الأمم المتحدة.
وعلى هذه الخلفية لا يوجد وقت أفضل من الآن لتضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى باعتبارهم أضلاع ثالوث القوة وللعمل سويًا على تحقيق أهدافنا المشتركة من خلال التواصل بصدق والتنسيق والعمل بجهد لا يكل على اكتساب وترسيخ مبادئ الثقة والتعاون وعقد الشراكات محليا وإقليميا ودوليا لمناقشة الأفكار والحلول العملية وتبادل وجهات النظر حول أفضل الممارسات التى تراعى جميع الأبعاد التنموية والمجتمعية لبناء مستقبل أكثر استدامة لأجيالنا القادمة.
