بقلم: نيل جروس
فى نهاية الشهر الماضى، خفض صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو اقتصاد الولايات المتحدة، وبعدما توقع سابقاً أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2.3% فى 2017، و2.5% خلال 2018، يتوقع حالياً 2.1% للعامين الحالى والقادم.
والسبب هو البيئة الاقتصادية التوسعية غير اليقينية والمرتبطة بالفوضى فى واشنطن، ورغم قوة سوق الأسهم، وتراجع البطالة، فإن دونالد ترامب، صديق قطاع الأعمال، يكبدنا خسائر فى النمو، المؤشر الرئيسى على الصحة الاقتصادية.
ولطالما تسائل خبراء الاقتصاد الكلى عن كيف يمكن أن يتأثر النمو بصفات النظام السياسى، وحتى الآن يشكل الأمر مشكلة فى العالم النامى على الأغلب، ويُعتقد بأن عدم الاستقرار يعوق النمو لأنه يعنى عدم اليقين الذى يخيف المستثمرين ويجعل الشركات تتجنب المخاطر.
وفى بحث تم عام 1992، وأجراه الاقتصادى ألبيرتو اليسينا وزملائه على بيانات 113 دولة من عام 1950 وحتى 1982، كان التحدى فى تقدير تأثير عدم الاستقرار السياسى على النمو الاقتصادى هو أن الأمر قد يسير فى الاتجاه المعاكس أى أن النمو المنخفض، وما يصاحبة من اختناق اقتصادى، قد يؤدى إلى أزمات سياسية وليس العكس.
وفى بحث أكثر حداثة، فحص الاقتصاديان «أرى أيسن وفرانشيسكو جوزيه فيجا» بيانات 169 دولة فى الفترة من 1960 حتى 2004، وقاسا عدم الاستقرار السياسى من خلال عدد مرات تغيير رئيس الحكومة، أو عدد مرات تغيير أكثر من نصف مجلس الوزراء أو الاثنين معاً، ووجدا أنه كلما ازداد عدد مرات التغير، قل الاستثمار الإجمالى فى رأس المال المادى مثل المصانع، وانخفض معدل النمو.
والولايات المتحدة ليست دولة جمهورية غير مسقرة من العالم الثالث، ولكن فى ظل معاناة البيت الأبيض من معدل دوران موظفين مرتفع، وفى ظل أزمات دستورية تلوح فى الأفق، تعد الدولة والاقتصاد غير قابلين للتوقع.
وإذا كنت مدير تنفيذى حكيم، فسوف تكون أكثر تحفظاً فى التوسع وسط الاضطرابات السياسية، مهما كانت مصلحة الحكومة فى تخفيض الروتين التنظيمى وتخفيض الضرائب على الشركات.
وإذا حققت الولايات المتحدة معدل النمو المتوقع من قبل صندوق النقد فلن يكون سيئاً، ولكن لا يقارن بالطفرات الإنتاجية التى تعود عليها صناع السياسة والشعب فى النصف الثانى من القرن العشرين.
ويهتم الاقتصاد المتوسع بقوة توليد وظائف، وامتلاء الخزائن الضريبية، وتعافى حقيقى من فترات الركود، والتحسن المستمر فى المستوى المعيشى، واليوم أصبحت معدلات التمو المتواضعة هى الوضع الطبيعى الجديد.
وفسرت مذاهب اقتصادية عديدة سبب تدهور معدلات النمو، ولكن للأسف، قدم القليلون حلول يمكن تطبيقها فى ظل بيئة عدم الاستقرار السياسى.
وعلى سبيل المثال، طور، لورانس سامرز، وزير الخزانة فى عهد بيل كلينتون، نظرية باسم «الركود المطول»، ترتكر على أن الاقتصادات المتقدمة فى العالم، بما فيهم الولايات المتحدة، دخلوا فى مرحلة حيث يمتلكون مدخرات كبيرة للغاية ولكن لا يوجد ما يكفى من الاستثمارات الجديدة، ما يبقى على أسعار الفائدة والتضخم أقل مما ينبغى.
وأشار سامرز إن تكلفة تأسيس شركة فى عصر الإنترنت أقل بكثير عندما كانت الطريقة الوحيدة لصنع الأموال هى التصنيع، وبالتالى هناك طلب استثمارى أقل.
ويعتقد سامرز بوجود طريقة للخروج من فخ النمو المنخفض، ويؤيد برنامج إنفاق كبير على البنية التحتية، يصاحبه إصلاح ضريبى وسياسيات تعالج عدم المساواة المتزايدة، ومجهودات لمكافحة الممارسات الحمائية التجارية.
وتكمن المشكلة فى أنه لن يحدث أياً من ذلك طالما أن لدينا رئيساً تواصل خطاباته التحريضية، وأفعاله الصادمة، وفشله الإدارى فى تهميش الناخبين وأعضاء الكونجرس.
وتضمنت الحملة الانتخابية للرئيس الإنفاق على البنية التحتية، ولكن فى هذه المرحلة يبدو أنه لا الديمقراطيين ولا الجمهوريين سيساندونه بالكامل.
أما بالنسبة إلى الاقتراحات الأخرى الداعمة للنمو، لا يهتم الرئيس ومجلس وزرائه المكون من المليارديرات بشأن المساواة، كما يبدو أنهم يتسلحون لحرب تجارية مع الصين، ويرى الجميع أن ترامب يفتقر للقوة اللازمة للتفاوض على إصلاح ضريبى للشركات.
والخلاصة هى أنه فى الوقت الذى يشعر فيه «وول ستريت» بالسعادة، لم يقترب الاقتصاد الأمريكى من تحقيق إمكاناته الكاملة، وستواجه حكومة ترامب المضطربة وقتاً عصيباً حتى تصل بنا إلى ذلك؟
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «نيويورك تايمز»