اهتمت لجنة بازل للرقابة المصرفية بالحوكمة فى البنوك لما لها من أهمية حاسمة فى حُسن أداء القطاع المصرفى والاقتصاد ككل، حيث أصدرت عدة منشورات عن الحوكمة، التى من شأنها دعم جهود البنوك المركزية فى أداء دورها لضمان سلامة البنوك، وفقاً للجنة بازل توفر مبادئ الحوكمة إطاراً ينبغى أن تسترشد به البنوك المركزية فى اصدار تعليمات الحوكمة للعمل بها من جانب البنوك التى تخضع لإشرافها.
فهذه المبادئ تسعى إلى تحقيق إدارة قوية وشفافة للمخاطر، وإطار مُحكم لاتخاذ القرارات، ومن ثم تعزيز ثقة الجمهور والحفاظ على سلامة النظام المصرفى.
سوف نعرض هنا لمحة عن دور البنك المركزى فى ضمان الحوكمة الجيدة فى البنوك.
تهتم البنوك المركزية بالحوكمة السليمة للبنوك، حيث أنها عنصر أساسى فى الأداء الآمن والسليم للقطاع المصرفى، كما أنها قد تؤثر سلباً على المخاطر التى تواجهها البنوك إذا لم تُطبق الحوكمة بشكل فعال، فمن جانب البنك المركزى، باعتباره الجهة الرقابية التى تشرف وتنظم أعمال البنوك، تعتبر ممارسات الحوكمة الجيدة فى البنوك ضرورية فى الحفاظ على بيئة رقابية متينة وفعالة من حيث التكلفة، لما تُفضى إليه من تخفيف الحاجة التى تدعو إلى التدخل الإشرافى من جانب البنك المركزى.
يتطلب التطبيق الفعال للحوكمة الجيدة الأسس القانونية والرقابية والمؤسسية ذات الصلة، غير أنه يمكن أن تؤثر مجموعة متنوعة من العوامل على سلامة واستقرار السوق المصرفية، بما فى ذلك القوانين المنظمة للأعمال وقواعد الإدراج وقواعد البورصة والمعايير المحاسبية.
هذه العوامل غالباً ما تكون خارج نطاق الرقابة المصرفية، ومع ذلك، فإن البنك المركزى يكون لديه معرفة جيدة بالعوائق القانونية والمؤسسية التى تعوق تطبيق الحوكمة السليمة فى البنوك، ويتخذ خطوات لتعزيز الأسس الفعالة للحوكمة حيثما يكون ذلك ضمن سلطته القانونية للقيام به.
يمارس البنك المركزى الدور المنوط به فى التوجيه والإشراف على الحوكمة فى البنوك من خلال التقييمات الشاملة والتفاعل المنتظم مع مجالس الإدارة والإدارة العليا، مطالباً بتنفيذ تحسينات على نظام الحوكمة القائم واتخاذ إجراءات تصحيحية عند الضرورة، والمعلوم أن مجلس إدارة البنك والإدارة العليا مسئولان بشكل مشترك عن تطبيق الحوكمة.
وفى سبيل ممارسة دوره الرقابى، يُصدر البنك المركزى تعليمات أو قواعد تتفق مع مبادئ الحوكمة الصادرة عن لجنة بازل للرقابة المصرفية، مما يتطلب من البنوك أن تكون لديها سياسات وممارسات قوية للحوكمة، وتكتسب هذه التوجيهات أهمية خاصة عندما تكون القوانين أو اللوائح أو القواعد أو متطلبات الإدراج المتعلقة بالحوكمة ليست قوية بما فيه الكفاية لتلبية احتياجات الحوكمة بالقدر الذى يناسب الطبيعة الخاصة للبنوك، لذلك تتناول تعليمات الحوكمة، ضمن أمور أخرى، التوقعات بشأن الضوابط والتوازنات الرقابية، وتوزيع واضح للمسئوليات والمساءلة والشفافية بين أعضاء المجلس والإدارة العليا وبين الهياكل المختلفة داخل البنك، بالإضافة إلى التعليمات أو القواعد، يقوم البنك المركزى، عند الضرورة، بتعميم أفضل الممارسات فى مجال الحوكمة على البنوك التى يشرف عليها.
كذلك يكون لدى البنك المركزى إجراءات معمول بها لتقييم الحوكمة فى البنوك بحيث تُجرى هذه التقييمات من خلال المراجعات المنتظمة للتقارير، وإجراء المقابلات مع أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا فى البنوك، ومهمات التفتيش الرقابي، والتقييم الذاتى من قبل البنوك، وأنواع أخرى من أساليب الرقابة المكتبية والميدانية، وينبغى أن تشمل التقييمات أيضاً التواصل المنتظم مع المسئولين عن مهام المخاطر، والالتزام والمراجعة الداخلية، ومراقبى الحسابات الخارجين.
من المهم أن يقيم البنك المركزى ما إذا كان لدى البنك آليات فعالة تقوم من خلالها مجلس الإدارة والإدارة العليا بتأدية مسؤولياتهما الرقابية، وآليات للرقابة على تطبيق الأهداف الاستراتيجية للبنك، بما فى ذلك تقبل المخاطر، والأداء المالى، وكفاية رأس المال، والسيولة، ونزعة المخاطر، وثقافة المخاطر، واختيار الإدارة التنفيذية وتقييمها. كما يولى البنك المركزى اهتماما خاصاً للرقابة على مهام إدارة المخاطر والالتزام و المراجعة الداخلية. يشمل ذلك تقييم مدى تفاعل مجلس الإدارة مع شاغلى هذه الوظائف، والاجتماع معهم، وما إذا كانت الضوابط الداخلية يجرى تقييمها بشكل كاف، ويمكن أيضاً للبنك المركزى تبادل المعلومات مع مراقبى الحسابات الخارجيين دون مخالفة واجبهم فى السرية.
يقوم البنك المركزى بتقييم العمليات والمعايير التى تستخدمها البنوك فى اختيار أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا، والحصول على بيانات عن خبرة أعضاء المجلس والإدارة العليا، بالإضافة إلى معايير الكفاءة والنزاهة لأعضاء مجلس ادارة والإدارة العليا، حيث تكون هذه الأمور محل اهتمام مستمر.
كجزء من تقييمه للحوكمة فى البنوك، يُقيم البنك المركزى فعالية إدارة المجلس والإدارة العليا، ولا سيما فيما يتعلق بثقافة المخاطر فى البنك، ويهدف تقييم فعالية الحوكمة إلى تحديد مدى إظهار مجلس الإدارة والإدارة العليا لسلوكيات فعالة تسهم فى الحوكمة السليمة، ويشمل ذلك النظر فى الديناميكية السلوكية لمجلس الإدارة والإدارة العليا، مثل كيفية نشر «ضبط الايقاع من القمة» والقيم الثقافية للبنك وتطبيقها، وكيفية تدفق المعلومات من وإلى مجلس الإدارة والإدارة العليا، وكيفية تحديد المشاكل الخطيرة المحتملة ومعالجتها فى جميع أنحاء البنك، كذلك يتضمن تقييم فعالية الحوكمة الاجتماعات التى يدعو إليها المسؤولين على الرقابة فى البنك المركزى.
يحرص البنك المركزى أن يتواصل بانتظام مع مجالس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة وكبار المديرين والمسئولين عن إدارة المخاطر والالتزام ومهام المراجعة الداخلية، ويشمل ذلك عقد اجتماعات مجدولة وتواصل من خلال مجموعة متنوعة من وسائل الاتصال (مثل البريد الإلكترونى والهاتف والاجتماعات الشخصية)، والغرض من هذه التفاعلات هو دعم الحوار المفتوح فى الوقت المناسب بين البنك المركزى والبنوك الخاضعة للإشراف حول مجموعة من القضايا، بما فى ذلك استراتيجيات البنك ونموذج الأعمال والمخاطر، وفعالية الحوكمة فى البنك، وثقافة البنك، وخطط التعاقب الوظيفة، والمكافآت والحوافز، وغيرها من الأمور أو التوقعات التى يعتقد البنك المركزى أنها يجب أن تكون ذات أهمية خاصة لأعضاء مجلس الإدارة، كما يقدم البنك المركزى رؤى متعمقة للبنك حول عملياته بالمقارنة مع البنوك الأخرى المماثلة، وتطورات السوق.
ولدى البنك المركزى مجموعة من الأدوات المتاحة لفرض تحسينات الحوكمة أو معالجة الممارسات الضعيفة، قد تشمل هذه الأدوات طلب تعديلات فى سياسات البنك وممارساته، وتشكيل مجلس الإدارة أو الإدارة العليا، أو الإجراءات التصحيحية الأخرى، كما تشمل أيضاً، عند الضرورة، فرض جزاءات أو إجراءات عقابية أخرى، بحيث يتناسب اختيار الأداة والإطار الزمنى لأى إجراء تصحيحى مع مستوى الخطر الذى تشكله أوجه القصور على سلامة البنك أو النظام المالى، وفى جميع الأحوال يضع البنك المركزى جدولاً زمنياً للتصويب، ويمكنه اتخاذ إجراءات علاجية أكثر صرامة أو تسريع فى حالة عدم معالجة البنك بشكل كافٍ لأوجه القصور التى تم تحديدها، أو يرى أن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات التصحيحية.
إن دور البنك المركزى فى الاشراف على التطبيق السليم للحوكمة ينبع من مسئوليته المنوطة به بحكم القانون، لذلك فهى تتم فى إطار تشريعى سليم طالما أنها تتوافق مع القوانين والتشريعات الأخرى ذات الصلة بأعمال البنوك باعتبارها شركات مساهمة عامة.