بقلم/ جيم أونيل
فى الذكرى العاشرة لقرار البنك الفرنسى «بى إن بى باريبا» بتجميد حوالى 2.2 تريليون دولار فى صناديق الاستثمار فى الأوراق المالية قصيرة الأجل، يتذكر من كان منا ناشطاً فى الأسواق المالية فى هذا الوقت، الحدث باعتباره بداية أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير.
ويعتقد كثير من الاقتصاديين والمحللين الماليين، أننا لانزال نعيش مع تداعيات هذه الأزمة والقوى التى حفزت نشوبها، ولاتزال العديد من الاقتصادات المتقدمة تحتفظ بالسياسات النقية غير التقليدية مثل التيسير الكمى، كما أن الإنتاجية والأجور الحقيقية المعدلة وفقاً للتضخم لاتزال راكدة إلى حد كبير.
مع ذلك، من الأهمية أن نضع هذه الأحداث نصب أعيننا، ولايزال كثير من الأشخاص بمن فى ذلك ملكة انجلترا، يتساءلون: «لماذا لم ير أحد الأزمة قادمة؟»، وفى الواقع حذر كثير من المراقبين الماليين من أن أسعار المنازل فى الولايات المتحدة ترتفع بلا هوادة، خصوصاً فى ظل نقص المدخرات المحلية الشخصية بين المستهلكين الأمريكيين.
وباعتبارى كبير الاقتصاديين فى «جولدمان ساكس» فى ذلك الوقت، كتبت 3 أبحاث مختلفة على مدار عدد من السنوات لإثبات أن العجز فى الحساب الجارى الأمريكى ليس مستداماً، وللأسف وقعت هذه الأبحاث على آذان صماء.
وفى مرحلة معينة فى 2007، كان العجز فى الحساب الجارى الأمريكى عند 6% إلى 7% من الناتج المحلى الإجمالى.
وعكس هذا الرقم الكبير، حقيقة أن الميزان التجارى للولايات المتحدة كان يتدهور بشكل مطرد منذ التسعينيات، وفى غياب أى تداعيات سلبية، استشرى الرضا عن الوضع القائم، وواصلت الولايات المتحدة الإنفاق أكثر مما تدخر.
وفى الوقت نفسه، واصلت الصين خلال التسعينيات تصدير المنتجات منخفضة القيمة المضافة إلى باقى العالم، وليس فقط للمستهلكين الأمريكيين، ووصل فائضها فى الحساب الجارى فى 2007 إلى 10% من الناتج المحلى الإجمالى، وكانت تمثل الصورة المعاكسة للولايات المتحدة، حيث ادخرت الأخيرة القليل جداً بينما ادخرت الصين الكثير جداً، وتغير الكثير خلال العقد الماضى.
ففى عام 2017، من المتوقع أن تدير الصين فائضاً فى الحساب الجارى بنسبة 1.2% إلى 2% من الناتج المحلى الإجمالى، وعلى الأرجح ستدير الولايات المتحدة عجزاً بحوالى 2% أو قد يصل إلى 3%، وهذا يشكل تحسناً كبيراً فى أكبر اقتصادين فى العالم.
ولكن راكمت الدول الأخرى، اختلالات أكبر فى الحساب الجارى على مدار العقد الماضى، وأولها ألمانيا التى يتجاوز فائضها الخارجى الآن 8% من الناتج المحلى الإجمالى.
ويشير الفائض فى الحساب الجارى الألمانى، إلى وجود اختلالات قد تؤدى إلى ازمةجديدة إذا لم يتم التنسيق فى صنع السياسى، وآخر ما تحتاجه أوروبا هو تحول مفاجئ آخر، كما شهدنا فى ذروة أزمة الديون اليونانية.
ومن جانبها، ستعانى بريطانيا من عجز فى الحساب الجارى فوق 3% من الناتج المحلى الإجمالى العام الحالى، وهو ما يعادل 3 مرات ما كان عليه منذ 10 سنوات.
ولكن هذا لا يعنى أن الميزان التجارى فى المملكة المتحدة تدهور بحدة، بل إنه يعكس حقيقة أن بريطانيا مركز مالى رئيس، وأن عائدات الاستثمار تحولت إلى بريطانيا أكثر من أى مكان آخر.
وفى الواقع، فإن الاقتصاد العالمي، اليوم، أكثر صحة مما كان عليه منذ 10 سنوات، ويشعر كثيرون بالإحباط نتيجة تراجع معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى عن مستوياته المشهودة قبل عقد.
فمنذ 2009 – أسوأ عام فى فترة الركود – نما الاقتصاد العالمى بمتوسط سنوى 3.3% مثلما كان فى الثمانينيات والتسعينيات.
وبالطبع يرجع ذلك بقدر كبير إلى الصين التى تعد دولة البريكس الوحيدة التى حققت توقعاتى للنمو لمدة 10 سنوات، رغم ان الهند لم تتخلف كثيراً عن توقعاتى، وحتما ستقع فقاعة مالية أخرى، ومن الأفضل أن نسأل أنفسنا أين قد تقع؟
ومن وجهة نظرى، أنها من غير المرجح أن تظهر بشكل مباشر من القطاع المصرفى، والذى يعد منظما بشكل صارم فى الوقت الحالى، ولكن مصدر القلق الأكبر هو من الشركات الرائدة عبر القطاعات المختلفة التى واصلت التركيز بشدة على الأرباح الفصلية التى تحدد كيف سيتم مكافأة المدراء التنفيذيين.
وينبغى أن ينظر صناع السياسة بإمعان لدور عمليات إعادة شراء الأسهم فى هذه العملية، وجدير بالذكر أن رئيس الوزراء البريطانى، تيريزا ماى، أعلنت أنها ستفعل ذلك، ونامل أن تمضى حكومتها قدما فى ذلك.
وإذا قامت بذلك، فستقوم بصفعة رمزية للعلة الكامنة فى الحياة الاقتصادية ما بعد الأزمة، ويحتاج الغرب إلى استثمارات حقيقية ونمواً أعلى فى الإنتاجية والأجور، وليس أرباحاً اقتصادية غير مبررة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت